الجمعة، 18 نوفمبر 2011

ولادة المسيح من عذراء: القديس كيرلس الاورشليمي - ترجمة د جورج عوض

 ولادة المسيح من عذراء: القديس كيرلس الاورشليمي - ترجمة د جورج عوض
    وأرد على أهل الختان بهذا السؤال: أيهما أصعب أن تلد عاقرٌ عجوزٌ لا تملك في جسدها عوامل الإخصاب، أم عذراءٌ شابة؟
    سارة كانت عاقراً (تك30:11) وبينما لم يكن لديها عوامل الإخصاب (تك 18: 1) إلا أنها ولدت إبنًا بخلاف الطبيعة.
    إذاً طالما كان من الممكن أن تلد العاقر "بخلاف الطبيعة"، وهكذا يمكن للعذراء أن تلد، فإما أن ترفض الاثنين أو تقبل الاثنين. ولأن الله نفسه هو الذي فعل المعجزة الأولى وكذلك الثانية، لذلك لن تتجرأ على القول بأن المعجزة الأولى كان من الممكن أن يصنعها الله، أمَّا الأخرى فلا يمكن أن يصنعها، وأيضاً، كيف يكون من الطبيعي أن تتغيّر يد الإنسان في ساعة ثم ترجع إلى حالتها الأولى؟ كيف إذاً تغيّرت يد موسى إلى يدٍ بيضاء كالثلج، وبعد ذلك عادت مرة أخرى كما كانت من قبل (انظر خر 4: 60 7)؟ قد تقول إن الله فعل هذا الأمر لأنه أراد ذلك. فهل أراد الله في هذه الحالة وفعل، أمَّا في حالة العذراء فلم يستطع؟!

    إن ما حدث لموسى كان معجزة صارت فقط لأجل المصريين، أمَّا هذه التي للعذراء، فهي معجزة معطاة لكل العالم.
    أيها اليهود، أيهما أكثر صعوبة أن تلد العذراء، أم أن تتغيّر العصا إلى مخلوق حي؟ أنتم تعترفون بأنه في زمن موسى صارت العصا حيةً (انظر خر 4: 3)، وقد ارتعب منها الذي ألقاها على الأرض، وذاك الذي كان يمسكها من قبل هرب معتقداً أنها تنين وكانت حقاً تنينًا. وقد هرب، ليس لأنه خاف من العصا التي كان يمسكها، بل خوفًا من ذاك الذي غيَّرها إلى حيَّة. العصا صار لها أسنان وعيون التنين. فإن كانت العصا نبتت فيها أعين، ألا يمكن أن يُولد ابن من بطن عذراء، إذا أراد الله ذلك؟!
    لقد صمْتُ عن حادثة عصا هرون التي في ليلة واحدة ازهرت، في حين أن الأشجار الأخرى تحتاج إلى فترات زمنية طويلة لتزهر. مَنْ الذي لا يعرف إن عصاً نُزع منها قشرتها المثمرة لا تنبت أبداً من طبيعتها حتى لو زُرعت في نهرٍ؟ لكن لأن الله لا يتبع قوانين الأشجار الطبيعي، بل هو خالق النواميس الطبيعية جعل العصا التي بلا ثمر الجافة التي بلا قشرة، تزهر وتنبت وتصنع ثماراً. إذاً الذي منح للعصا ثماراً فوق طبيعية لأجل رئيس الكهنة الذي كان مثالاً للعتيد أن يكون، ألا يمنح العذراء القدرة على ولادة رئيس الكهنة الحقيقي؟
    وبالرغم من كل هذه الأمثلة الحسنة التي قلناها إلاَّ أن اليهود مازالوا يعترضون ولم تقنعهم معجزة العصا، بل لكي يقتنعوا يريدون مثل هذه الأمثلة التي "بخلاف الطبيعة" على أن تكون خاصة بالولادة. إذاً فلنسألهم: ممَن وُلِدَت حواء في البداية؟ الكتاب المقدس يقول، إنها أُخذتْ من جنب آدم (انظر تك 2: 22)، إذاً طالما أن حواء وُلدت بدون أُم من جنب آدم، ألا يمكن أن يُولد طفلٌ من بطن عذراء بدون رجل؟ الجنس الأنثوي مديون للرجال، لأن حواء وُلدت من آدم بدون أُم، أي وُلِدت فقط من رجل. هكذا رَدَّتْ مريم الدَّين عندما حَبِلَت، ليس بمعونة رجل، بل وحدها من الروح القدس بقوة الله.

عودة إلى معجزة خلق الإنسان العجيبة:
    دعونا نأخذ أيضاً مثالاً أعظم من هذه الأمثلة. لأنه وإن كان طبيعياً أن تُولد الأجساد من أجساد، بالرغم من أن هذا الأمر عجيب، لكن هل من الممكن أن تصير حفنة من تراب الأرض إنساناً، لا شك أن هذا الأمر يستحق إعجابًا أكثر. وأنْ يتحول التراب إلى إنسان به عيون، هذا أيضاً يستحق إعجابًا أكثر. وأن يصير من نفس الطين عظام صلبة، ورئتين رقيقتين، وأشكالٌ أخرى لأعضاء الجسد، فهذا أمر عجيب جدًا. وأن يكون الطين له نفس ويتحدث (انظر أي 38: 14)، ويبني بيوتًا ويصير ملكاً، فهذا أيضاً أمر عجيب. من أين إذاً أيها اليهود الجهلاء خُلِقَ آدم؟ ألم يأخذ الله تراباً من الأرض (انظر تك 2: 7)، وصنع منه هذا المخلوق العجيب؟ فإن كان الطين قد تحول إلى عين، ألا تستطيع العذراء أن تلد أبنًا؟