الخميس، 1 نوفمبر 2012

امام المائدة الافخارستيه يتقدم جميع المؤمنين بلا تمييز من اي نوع


امام المائدة الافخارستيه يتقدم جميع المؤمنين بلا تمييز من اي نوع

القديس يوحنا ذهبي الفم

ترجمة د. جورج عوض

 [ من الطبيعي أن يكون الفقير حزينا والغني فرحا، لكن لماذا؟ لأن الغني يعد مائدة غنية تتميز بكل الرفاهية، بينما يستحي الفقير من فقره، إذ يظهر بهذا المظهر المتواضع. لكن هنا لا يحدث مثل هذا الأمر. فإنه توجد مائدة واحدة مشتركة لأجل الجميع، للغني وللفقير، ولا يستطيع الغني أن يضيف شيئًا لهذه المائدة، كما أن الفقير لا يُحرم بسبب فقره من الشركة فى هذه المائدة الإلهية، لأن النعمة الإلهية تُقدم هنا للكل. ولماذا يبدو لك أنه أمر غريب أن تُقدم مائدة واحدة للغني وللفقير معًا؟ طالما أن هذا الأمر يسرى على الملك نفسه، فالملك الذي يلبس الثياب الملوكية ويضع التاج على رأسه، والذي له سلطة عظيمة على كل الأرض، يشارك الفقير، الذي يطلب إحسانًا، نفس المائدة. وهذه هي العطايا التي يقدمها لنا الرب. إنه لا يقسّم المجتمع إلى طبقات وفقًا للمكانة الاجتماعية، لكنه يعامل كل واحد بحسب استعداده الشخصى وإيمانه.

 

          إذن عندما ترى في الكنيسة الفقير يقف بجوار الغني، والرئيس بجوار المواطن العادي، والمغمور بجوار المشهور، وعندما ترى ذاك الذي يرتعب خارج الكنيسة من الضابط صاحب المقام العالي لكنه الآن يقف بجواره، عندئذ سوف تفهم ماذا تعني عبارة " سيوجد الذئب مع الحمل" (إش6: 11). بالتالي فالكتاب يدعو الغني ذئبًا والفقير حملاً. من أين نستنتج أن الذئب سوف يتآلف مع الحمل، مثلما يتألف الغني مع الفقير؟ انتبه لما أقوله. مرات كثيرة يأتي إلى الكنيسة الغني والفقير وعندما يأتي وقت تقديس الأسرار المقدسة، يضطر الغني لأن يخرج خارج الكنيسة، لأنه مازال في عداد الموعوظين، بينما يظل الفقير داخل الكنيسة[1]، وهذا لا يسبب غضبًا للغَنى، لأنه يعرف أنه مازال بعيدًا عن التقدم الأسرار الإلهية. آه كم عظيمة هي نعمة الله! إن نعمة الله تجعل كل الذين هم داخل الكنيسة ليسوا فقط متساوون، بل مرات كثيرة يتفوق الفقير على الغني في التقوى، لأن الغني الذى لا يعيش بالتقوى لا ينتفع إطلاقًا بما يملكه، كما أن الفقر لا يسبب ضررًا للمؤمن الذي يقف بتقوى وخوف أمام المذبح المقدس. هذا أقوله، يا أحبائي، للموعوظين وليس لأولئك الذين هم مجرد أغنياء. تأمل، أيها الحبيب الذى كُتب، إن سيد البيت يترك الكنيسة بينما يظل العبد في الكنيسة يتابع الأسرار لأنه مسيحي مؤمن، وترحل السيدة وتبقى العبده " لأن الله لا يحابي الوجوه" (غلا2: 6). إذن لا يوجد في الكنيسة عبد وحر. إنما الكتاب يعتبر العبد هو مَنْ يُستعبد للخطية      " لأن من يفعل الخطية هو عبد للخطية" (يو8: 34). كما أنه يصف الحر بأنه ذاك الذي حررته نعمة الله من الخطية.

          إذن يأتي الملك والفقير إلى هذه المائدة بنفس الثقة وبنفس الكرامة، ومرات كثيرة يأتى الفقير بكرامة أعظم. لكن لماذا؟ لأن الملك كثيرًا ما يتورط في آلاف الأمور العالمية وتضربه ـ كسفينة فى عرض البحر ـ أمواج الخطية التي تحيط به، بينما الفقير الذي ينشغل فقط بطعامه الضروري، تتسم حياته بالهدوء والسكينة، فهو هادئ كما لو كان موجودًا في الميناء، ويقترب إلى المائدة المقدسة بدون اضطراب.

 

          أيضًا في الأعياد العالمية يتضايق الفقير، بينما يفرح الغَني، ليس فقط لأجل حرمانه من المائدة المملوءة بالأطعمة لكن أيضًا لأجل افتقاره للملابس الغالية الثمن. فما عانى منه بسبب المائدة، يعاني منه بسبب الملابس. فعندما يرى الفقير أن الغني يلبس الملابس الغالية والثمينة، يتضايق كثيرًا ويعتقد في نفسه أنه أكثر تعاسة من الكل. لكن هنا في الكنيسة يختفى هذا النوع من الفقر، لأن هنا يوجد لباس واحد للجميع، لباس العماد الخلاصي. لذلك يقول بولس: " أنتم الذين إعتمدتم قد لبستم المسيح" (غلا3: 27) ]

هذا النص جزء من العظة ألقاها القديس يوحنا ذهبي الفم في يوم أحد القيامة فى احدى سنوات خدمته فى إنطاكية.

           

النص الأصلي موجود في باترولوجيا ميني مجلد 50: 433 ـ 442، ومجموعة آباء الكنيسة اليونانيين (EPE) الصادرة في تسالونيكى 1983 المجلد رقم 36 ص143ـ171.

 



[1] يقصد ذهبى الفم أن الغنى لو كان من ضمن الموعوظين ولم يدخل بعد فى شركة الكنيسة بالمعمودية المقدسة فلا يحق له إلاّ أن يشترك فى قداس الموعوظين فقط، أما قداس المؤمنين فيحق حضوره للمؤمنين فقط.