السبت، 12 مايو 2012

فليتصاغر أمام أعيننا الوطن والعشيرة والبيت العائلي والتكالب على الخيرات الأرضية


فليتصاغر إذًا أمام عيوننا، الوطن والعشيرة والبيت العائلى والتكالب على الخيرات الأرضية :

                            القديس كيرلس عمود الدين – العبادة بالروح والحق – المقالة الأولى – ترجمة د جورج عوض

[ فكما أن التلوث يصيب كل من النفس والجسد، هكذا فإن التطهير سيكون شيئًا سهلاً لكل من النفس والجسد أيضًا. أما كون حب الحياة العالمية هو غريب بالنسبة لهؤلاء الأتقياء الذين يشعرون بغربتهم تجاهه، فمن المفيد لهم أن لا يواجهوا هذا الحب برخاوة. ولو طلب أحد مثالاً، فليأخذ إبراهيم مثالاً لهذا الأمر، إذ قال الله له: " اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التى أُريك. فأجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم اسمك. وتكون بركة وأبارك مباركيك ولاعنك ألعنه. وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض" (تك1:12ـ3). أفهمت إنه لم يأمره بأن يرحل عن الأرض والوطن فقط ولكن عن أهله وعشيرته وعن بيت أبيه، ويذهب إلى الأرض التى سوف يريه إياها ؟.



 وأيضًا بعد كل ما سبق إيضاحه، هل سيكون غير واضح أن الله عندما يدعو أناسًا لكى يتبعوه روحيًا، يريد أن يبعدهم عن حياة العالم، وأيضًا بعيدًا عن حياة الملذات وحُب الجسد، هؤلاء أراد الله أن يكرمهم، فهل هناك شئ أفضل من هذا؟ فليتصاغر إذًا أمام عيوننا، الوطن والعشيرة والبيت العائلى والتكالب على الخيرات الأرضية. لذلك قد دعانا مخلصنا نفسه أن نُظهر صلابة مماثلة قائلاً: " مَن أحب أبًا أو أمًا أكثر منى فلا يستحقنى ومَن أحب ابنًا أو ابنة أكثر منى فلا يستحقنى. ومَن لا يأخذ صليبه ويتبعنى فلا يستحقنى" (مت37:1ـ38)، ويضيف قائلاً: " وكل مَن ترك بيوتًا وإخوة أو أخوات أو أبًا أو أمًا أو امرأة أو أولادًا أو حقولاً من أجل اسمى يأخذ مئة ضعف ويرث الحياة الأبدية " (مت 29:19). ألست تقبل أن هذا الأمر هو نتيجة فاعلية قوة المسيح، وليس نتيجة الصلابة الفائقة؟ وماذا تعتقد: هل حب الأب والأم والوطن أمر عديم النفع، بينما تبعية المسيح هو أمر واجب وضروري؟ ..........

انتبه، فإن أولئك الذين يتبعون الله بكافة الطرق، واضعين الجسديات والاستمتاع العالمى (في مرتبة) بعد الرجاء في المسيح، هؤلاء سينالون التمتع بالنعم والبركات السماوية. واسمع ماذا يقول لابرآم؟ " سأجعلك أمة عظيمة وسأباركك" (تك2:12)، معطيًا إياه كل ما يتعلق بهذا الوعد. أرأيت إذًا كم هو مقدار الخيرات الروحية المذخّرة له؟ أليس من الجدير أن نرى ونعرف بأى طريقة خرج إبرام من الأرض التى وُلد فيها؟ إذ يقول: " فأخذ إبرام ساراى امرأته ولوط ابن أخيه وكل مقتنياتهما التى اقتنيا والنفوس التى امتلكا في حاران. وخرجوا ليذهبوا إلى أرض كنعان. فأتو إلى أرض كنعان. واجتاز إبرام في الأرض إلى مكان شكيم إلى بلوطة مورة. وكان الكنعانيون حينئذِ في الأرض" (تك5:12ـ6). لقد خرج من حاران دون أن يترك أى أثر خلفه، ومعه كل عشيرته وأهل بيته. انتقل مستعدًا ومُجهزًا للرحيل إلى أرض كنعان التى أراها الله له. ثم بعد ذلك اخترق الأرض بطولها وأتى إلى أرض جبلية عالية. وهكذا فإن مَن أراد أن يتبع التعاليم الإلهية بإيمان ويكون مستحقًا للدعوة السماوية، متمتعًا بعناية الله الفائقة، فليخرج تمامًا من حياة الملذات العالمية، كأنه يخرج مع كل عشيرته دون أن يترك أية بقية من الاهتمام الذى كان لديه من قبل. إذ بهذه الطريقة يكون هروبه هروبًا حسنًا، إذ قد دُعى من الله. وكما كتب بولس الطوباوى، يمكنه أن يدرك، مع كل القديسين ما هو العرض والطول والعلو والعمق لسر المسيح. وعندئذِ سيُسرع جدًا نحو الأرض العالية المرتفعة أى المؤسسة على الفضائل، إذ لا شئ يسقطها في محبة الجسد. ولكن عندما وصل أبرام إلى هذا المكان ماذا وجد من صالحات؟ هذا سنعرفه من نفس الكتب المقدسة لأنه يقول: "وظهر الرب لإبرام وقال لنسلك أعطى هذه الأرض، فبنى هناك مذبحًا للرب الذى ظهر له" (تك7:12). أى كان في وطنه، أُعطِىَ له الأمر النافع الوحيد، أنه يجب أن ينتقل إلى أرض أخرى، مهاجرًا من وطنه. لكن عندما وصل إلى أرض كنعان ومعه كل عائلته واحتياجاته، وصعد إلى الأرض المقدسة، أُعطيت له نعمة الرؤية الإلهية وثقة الرجاء في الحرية الثابتة، ثم  التصريح له بعد ذلك ببناء مذبح.

ونحن أيضًا وللسبب نفسه، سوف لا يكون لنا أية نعمة من الله لو بقينا داخل العالم وفي ملذاته المقززة. أما عندما نُدعى من الله ونطيع الأوامر الإلهية، صاعدين كأنما إلى أرض عالية إلى الشوق والرغبة في كل صلاح، يضع الله داخلنا معرفة المجد ذاته الذى له، ويعدنا بالرجاء الثابت. هكذا يجعل ذهننا مهيئًا لكى نستطيع أن نقدم ذبائح روحية (1بط 5:3)، ونصير رائحة المسيح الذكية لله الآب بحسب المكتوب (2كو 15:2)، وهكذا نقدم له جسدنا ذبيحة حية ومرضية إلى الله، العبادة العقلية والروحية لأنه يقبل بفرح كل صور عبادتنا الروحية معتبرًا إياها ذبائح روحية (رو1:12) ]. [ العبادة بالروح والحق – المقالة الأولى ]


الجمعة، 11 مايو 2012

الصلاة للقديس يوحنا ذهبي الفم


الصلاة

للقديس يوحنا ذهبي الفم
ترجمة د جورج عوض

الصلاة والمحبة:

       الصلاة هي فضيلة عظيمة. وهذا الأمر يبدو من الآتي: بولس الرسول الذي صعد إلي السماء الثالثة وسمع أقوالاً لا تُوصف، بولس الرسول الذي سما فوق إحتياجات الطبيعة البشرية والذي لم يكن واردًا أن يكون  في خطر السقوط بل كان في أمان تام، كان في إحتياج لصلاة التلاميذ وقال: " فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَبِمَحَبَّةِ الرُّوحِ، أَنْ تُجَاهِدُوا مَعِي فِي الصَّلَوَاتِ مِنْ أَجْلِي إِلَى اللهِ، لِكَيْ أُنْقَذَ مِنَ الَّذِينَ هُمْ غَيْرُ مُؤْمِنِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ، وَلِكَيْ تَكُونَ خِدْمَتِي لأَجْلِ أُورُشَلِيمَ مَقْبُولَةً عِنْدَ الْقِدِّيسِينَ" (رو30:15ـ31). وأيضًا " وَلأَجْلِي، لِكَيْ يُعْطَى لِي كَلاَمٌ عِنْدَ افْتِتَاحِ فَمِي، لأُعْلِمَ جِهَارًا بِسِرِّ الإِنْجِيل" (أفسس19:6).

          لقد رأيتموه يطلب دائمًا صلوات التلاميذ. وحتى لا يقول أحد أنه يلجأ من تواضعه لصلوات التلاميذ، فإنه يُظهِر قوة صلواتهم، قائلاً: " الَّذِي نَجَّانَا مِنْ مَوْتٍ مِثْلِ هذَا، وَهُوَ يُنَجِّي. الَّذِي لَنَا رَجَاءٌ فِيهِ أَنَّهُ سَيُنَجِّي أَيْضًا فِيمَا بَعْدُ. وَأَنْتُمْ أَيْضًا مُسَاعِدُونَ بِالصَّلاَةِ لأَجْلِنَا، لِكَيْ يُؤَدَّى شُكْرٌ لأَجْلِنَا مِنْ أَشْخَاصٍ كَثِيرِينَ، عَلَى مَا وُهِبَ لَنَا بِوَاسِطَةِ كَثِيرِينَ." (2كو10:1ـ11).

          بما أن صلاة الكثيرين أنقذت بولس من الأخطار، إذن كيف لا ينبغي أن نأمل نحن أيضًا بأننا سوف نستفيد كثيرًا من هذه الحماية؟ لأننا حين نصلي بمفردنا نكون ضعفاء، لكن عندما نجتمع معًا نصير أقوياء جدًا ونترجى الله بإجتماعنا معًا وتكاتفنا المشترك. أيضًا عندما يحكم الملك علي شخص بالموت، مرات كثيرة لا يتراجع عن حُكمة إذا توسط أحد ليعفي عنه، أما حين تتوسل كل المدينة ليتنازل عن قراره عندئذٍ يتنازل. والذي يُساق للإعدام بقطع الرقبة يعفي عنه ويمنحه الحياة بسبب توسل كل مواطني المدينة. كم هي عظيمة قوة تضرع الجموع.

          لأجل هذا أيضًا نجتمع كلنا معًا هنا لكي نتوسل إلي الله ليمنحنا الرحمة العظيمة. لأننا، كما قُلت، حين نصلي بمفردنا نكون ضعفاء، بينما بواسطة المحبة التي تجمعنا معًا فإننا نترجي الله أن يستجيب لطلباتنا.

          هذه الأقوال لا أقولها بدون هدف، ولا لأجل نفسي فقط بل لكي تأتوا دائمًا بتأهب وإستعداد لهذه الإجتماعات ولا تقولوا: ألا أستطيع أن أصلي في البيت؟ يمكن أيضًا أن تصلي في البيت لكن الصلاة لن تكون لها قوة كبيرة مثلما تصير مع أعضائك وأقاربك، لن تكون لها نفس الوقت عندما يوجه كل جسد الكنيسة المتحد بنفس واحدة الطِلبة لله، بينما الكهنة حاضرون ويصعدون صلوات كل الجموع الحاضرة.



قوة الصلاة المشتركة:

          هل تريد أن تعلم كم هي قوة الصلاة التي تصير في الكنيسة؟ ذات مرة كان بطرس محبوسًا ومقيدًا بسلاسل كثيرة:  " أما الكنيسة فكانت تصير منها صلوة بلجاجة إلي الله من اجله" (أع5:12)، وقد حررته الصلاة مباشرة. أي قوة أكثر كان يمكنها أن تصير من هذه الصلاة التي أفادت أعمدة وأبراج الكنيسة! لأن بطرس وبولس كانا مِن أعمدة وأبراج الكنيسة. للأول حلَّت القيود، بينما فتحت فم الثاني.

          لكن لكي لا تُظهِر قوة الصلاة المتضاعفة فقط من حوادث ذلك العصر، بل أيضًا من هذه الحوادث التي تحدث يوميًا، دعونا نُذكَّركم بفاعلية الصلاة التي يصليها الشعب.

          لو أن أحدًا أمركم بأن تصلوا منفردين لأجل خلاص الأسقف، فإن كل واحد منكم سوف لا يهتم لأن هذا المطلب هو أعظم من قدرته. لكن عندما نسمع كلنا معًا الشماس يحثنا ويقول " صلوا من اجل الأسقف، من أجل صحته ومعونته ومن أجل أن يعلم بإستقامة كلمة الحق ومن أجل هؤلاء الذين هم موجودين هنا وأولئك الذي هم موجودين في كل أماكن الأرض، لن يهرب أحد منكم من هذا الأمر بل بحماس تقدمون الصلاة لأنكم تعرفون قوة إجتماعكم.

          يعرف المؤمنون هذه الأمور التي أقولها. لكن في صلاة الموعظين إطلاقًا لا يُسمح بأن يصير هذا، لأنهم لم يبلغوا بعد إلي هذه الحالة الروحية. بينما أنت يحثكم الشماس بأن تصلوا من أجل المسكونة ومن أجل الكنيسة، والتي قد إمتدت حتي أقاصي الأرض ولكل الأساقفة الذين يدبرون أموركم، وهذا تفعلونه بتاهب وإستعداد وتظهرون هكذا عمليًا قوة الصلاة التي تُقدّم في الكنيسة بإتفاق كل الشعب[1].

ينبغي دائمًا أن ترتبط الصلاة بالصوم:

          ينبغي أن ترتبط دائمًا الصلاة بالصوم. وما أقوله هو صواب، إسمع المسيح الذي يقول: " وَأَمَّا هذَا الْجِنْسُ فَلاَ يَخْرُجُ إِلاَّ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْم" (مت21:17). وبالنسبة للرُسل نقرأ الآتي: " وَانْتَخَبَا لَهُمْ قُسُوسًا فِي كُلِّ كَنِيسَةٍ، ثُمَّ صَلَّيَا بِأَصْوَامٍ وَاسْتَوْدَعَاهُمْ لِلرَّبِّ الَّذِي كَانُوا قَدْ آمَنُوا بِهِ" (أع23:14). وأيضًا يقول الرسول " لاَ يَسْلُبْ أَحَدُكُمُ الآخَرَ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى مُوافَقَةٍ، إِلَى حِينٍ، لِكَيْ تَتَفَرَّغُوا لِلصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ، ثُمَّ تَجْتَمِعُوا أَيْضًا مَعًا لِكَيْ لاَ يُجَرِّبَكُمُ الشَّيْطَانُ لِسَبَبِ عَدَمِ نَزَاهَتِكُمْ" (1كو5:7).

          أرأيت أن الصوم يحتاج للصلاة؟ لأنه وقتذاك تصير الصلاة بإنتباه وبضمير طاهر وبدون أي ثقل وبدون ضغط ثقل الطعام. الصلاة هي سلاح عظيم، هي الأمان وهي الميناء والكنز فالصلاة هي سلاح عظيم وأمان وكنز وميناء ومكان لا يقترب إليه اللصوص. وهذا يحدث عندما نقترب من الرب بيقظة وبذهن نقي. هكذا ينبغي أن نصلي حتى لا نعطي للعدو حق التدخل في خلاصنا.فالعدو يعرف وقتذاك أننا نستطيع أن نجد شفاءً جذريًا، طالما نتحدث عن ما يشغلنا ونعترف بخطايانا ونُطِهر الجروح النفسية للطبيب الروحي.



[1]  القديس يوحنا ذهبي الفم، بخصوص عدم وضوح بعض النبوات PG 56،181-182.   ΕΠΕΙ، 354-358