الاثنين، 16 ديسمبر 2013

لماذا يموت المشاركين لآدم في طبيعته ...؟ للقديس كيرلس الأسكندري


الفصل الثامن من كتاب القديس كيرلس الأسكندري

ضد الذين يتصورون أن لله هيئة بشرية


 

- لماذا يموت المشاركين لآدم في طبيعته،


مؤدِّين عقاباً عن آبائهم؟


- ولماذا يكون كل واحد منَّا مديوناً بسبب مخالفة ذاك؟


- لماذا لم أرث الطهارة حين وُلِدتُ، بالرغم من أن والدي صار طاهراً من دين الخطية الجدية ومن خطاياه الخاصة، وصار حياً في المسيح وبواسطة الروح القدس؟


- لماذا لم تُفِدْني نعمة البر التي قبلها هو ذاته، بالرغم من أن هذه النعمة هي أقوى جداً من الخطية؟


 

          ينبغي أن نفحص كيف نقل لنا آدم الأب الأول العقاب[1] الذي لحقه من جراء مخالفته. اسمع: "لأنك تراب وإلى تراب تعود" (تك 3: 19)، ومن غير الفساد صار فاسداً وخضع لقيود الموت. وعندما صار للإنسان الساقط بالفعل في الموت أولادٌ، أي هؤلاء الذين وُلدوا منه، وُلدِنا نحن فاسدين([2]) بما أننا أتينا من الفاسد. بهذه الطريقة نحن وارثون لعنة آدم([3]). لكن على أية حال لم نُعاقَب([4]) لأننا مذنبين مع آدم وخالفنا الوصية التي أُوصي بها ذاك، لكن - كما قلت - لأن الإنسان حين صار مائتاً نقل اللعنة للأولاد الذين ولدهم. أي صرنا فانون من الفاني.

          لذلك صار ربنا يسوع المسيح آدم الثاني، وبدايةً ثانيةً([5]) لجنسنا بعد آدم الأول. أعاد تشكيلنا وقادنا إلى عدم الفساد مُهيناً الموت ومبطلاً إياه في جسده. بالمسيح إذن انحلَّت قوة اللعنة القديمة. لأجل هذا أيضاً يقول بولس الحكيم: "فإنه إذ الموت بإنسانٍ بإنسان أيضاً قيامة الأموات" (1 كو 15: 21)، وأيضاً: "لأنه كما في آدم يموت الجميع هكذا في المسيح سيُحيا الجميع" (1 كو 15: 22).

          نستنتج إذن أن اللعنة الجامعة والعامة لمخالفة آدم هي الفساد والموت([6])، وبالمثل الفداء الشامل (الجامع) للكل تحقق في المسيح. أي أن الطبيعة البشرية في المسيح قد خلعت الموت الذي كان يثقلها؛ لأن الإنسان الأول صار فاسداً.
          لكن والد كل واحد مِنا، بالرغم من أنه قُدِّس من الروح القدس ونال غفران خطاياه، إلَّا أنه لا يمكنه أن ينقل لنا أيضاً العطية؛ لأن واحداً هو الذي يقدِّس ويبرر جميعنا ويُحضِرنا ثانيةً إلى عدم الفساد، هو ربنا يسوع المسيح. وبواسطة المسيح، هذه العطية تأتي بالتساوى لجميعنا. وكل واحد يحصل على غفران الخطايا من المسيح بواسطة الروح القدس. جميعنا قد تحررنا من العقاب الذي تثقَّلنا به في البداية - أقصد الموت - الذي امتد إلى الجميع مثل الإنسان الأول الذي سقط في الموت([7]). لأجل هذا أيضاً يشير بولس الحكيم إلى أن الموت "قد مَلَكَ من آدم إلى موسى وذلك على الذين لم يخطئوا على شبه تعدي آدم الذي هو مثال الآتي" (رو 5: 14). لكن فيما بعد، عندما أشرق المسيح، أتى البر الذي بررنا بنعمة الله وأبعد الفساد عن جسدنا([8]).



([1]) أي النتيجة الطبيعية لسقوطه وإنفاله عن الله مصدر الحياة .
([2]) من الواضح هنا أن الفساد لا يُوجد في طبيعة الإنسان، لكنه النتيجة التي جاءت على الجنس البشري من جراء عصيان آدم الأب الأول، أنظر:
                Κυρὶλλου Ἀλεξανδρεὶας, Ἐρμηνεὶα εἰς τήν πρός Ῥωμαὶους ἐπιστολήν, PG 74, 789 Α. πασχάλια Ὁμιλὶα 15, PG 77, 744 Β.
)[3]( « οὓτως ἐσμέν τῆς ἐν Αδάμ κατάρας κληρονόμοι».
([4]) مشاركة كل البشرية في عمل آدم يقبله أغسطينوس، أنظر:
                Αὐγουστὶνου, De paccatorum meritis et remissione I, X, 11, PL 115. . καραβιδοποὺλου, ἁμαρτὶα κατα τόν ἀποστολον παῡλον, θες/νὶκη 1968, σ. 79 
                على النقيض، التعليم اللاهوتي لآباء الكنيسة الشرقية لا يقبل مشاركة كل البشرية في مسئولية ذنب الخطية الجدية المنسوبة إلى آدم. فبقية البشر مسئولون فقط تجاه خطاياهم الشخصية. نواة هذا التعليم عبَّر عنه القديس كيرلس في تفسيره لرسالة رومية: PG74, 788-789 A. أنظر أيضاً:
                Ἱ. ρωμανὶση, Ἡ προπατορική αμαρτὶα, σ. 153 ἐξ
([5]) أثناء الحديث عن نبوة إسحق ليعقوب الواردة في تك 27: 27 - 28 "رائحة ابني كرائحة حقل قد باركه الرب. فليعطك الله من ندى السماء ومن دسم الأرض. وكثرة حنطة وخمر"، يؤكد القديس كيرلس أن المسيح هو آدم الثاني وجذر ثانِ للبشرية، إذ يقول: "هكذا، فإن مفهوم النبوة يتناسب مع الشعب الجديد ومع المسيح نفسه الذي هو البداية والأصل، فهو آدم الثاني حقاً وبمثابة جذر ثانِ للبشرية لأن كل ما في المسيح هو خليقة جديدة. لقد تجددنا ثانية بالمسيح من جهة القداسة والحياة والخلود. أيضاً أعتقد أن حديث البركة يعني الرائحة الروحية الذكية التي في المسيح، كالرائحة الجميلة والمفرحة التي تأتي من ورود الربيع في الحقول اليانعة والمزهرة. هكذا قدَّم لنا المسيح ذاته في نشيد الإنشاد قائلاً: "أنا نرجس شارون سوسنة الأودية" (نش 1:2). حقاً كان سوسنة ونرجساً، هو الذي نبت من الأرض كإنسان، لكن بدون أن يعرف خطية، إذ تفوح منه عبق الرائحة الذكية على كل المسكونة. إذاً المسيح يشبه حقلاً مباركاً من الله حيث هو بالحق رائحة معرفة الله الآب الذكية لأن بولس الرسول قال: "شكراً لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويُظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان" (2 كو 14:2)]. جيلافيرا، ترجمة د. جورج عوض إبراهيم, مراجعة د. نصحي عبد الشهيد, الكتاب الشهري، ديسمبر 2005.
([6]) الرأي الأساسي للتعليم الآبائي الأرثوذكسي هو أن الخطية الأُولى هي مرض يورث الإنسان الفساد والموت. ووراثة الذنب كنتيجة للخطية الأولى، النظرية التي سادت في اللاهوت الغربي لا نتقابل معها في التعليم الأرثوذكسي الشرقي. الجدير بالذكر أن محاولة C. Dratsellas في كتابه: Man in his original state and in the state of sin according to st. Cyril of Alexandria, Athens 1971, P. 38. أن ينسب لكيرلس التعليم عن وراثة الذنب هي محاولة فاشلة تماماً.
([7]) الكلام هنا عن التمييز المدهش للخطية الأولى لآدم عن نتائج هذه الخطية التي هي مشتركة للكل.
([8]) يقول في موضع آخر القديس كيرلس: "يدعِّم هذا القول بولس الحكيم حين يكتب: "فإننا لسنا نكرز بأنفسنا، بل بالمسيح يسوع رباً، ولكن بأنفسنا عبيداً لكم من أجل يسوع. لأنَّ الله الذي قال أنْ يُشرق نورٌ من ظلمةٍ هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح" (2كو4: 5 - 6). ها قد أشرق بوضوحٍ ونقاء نور معرفة الله الآب في وجه يسوع. وهو يؤكد لنا ذلك قائلاً: "الذي رآني فقد رأى الآب. وأنا والآب واحد" (يو 14: 9، 10: 30). إنَّ الملمح الإلهي هنا ليس حضوراً جسدياً، لكنه بقوةٍ ومجدٍ لائقين بالله، وقد حُفِظَت هذه القوة تماماً في المسيح". القديس كيرلس الكبير، حوار حول تأنس الإبن الوحيد الوحيد وعن إنَّ المسيحَ واحدٌ وربٌ بحسب الكتب المقدسة، ترجمة عن اليونانية ومقدمة وتعليقات د. جورج عوض إبراهيم، ص 119.

لماذا يموت المشاركين لآدم في طبيعته ...؟ للقديس كيرلس الأسكندري


الفصل الثامن من كتاب القديس كيرلس الأسكندري

ضد الذين يتصورون أن لله هيئة بشرية


 

- لماذا يموت المشاركين لآدم في طبيعته،


مؤدِّين عقاباً عن آبائهم؟


- ولماذا يكون كل واحد منَّا مديوناً بسبب مخالفة ذاك؟


- لماذا لم أرث الطهارة حين وُلِدتُ، بالرغم من أن والدي صار طاهراً من دين الخطية الجدية ومن خطاياه الخاصة، وصار حياً في المسيح وبواسطة الروح القدس؟


- لماذا لم تُفِدْني نعمة البر التي قبلها هو ذاته، بالرغم من أن هذه النعمة هي أقوى جداً من الخطية؟


 

          ينبغي أن نفحص كيف نقل لنا آدم الأب الأول العقاب[1] الذي لحقه من جراء مخالفته. اسمع: "لأنك تراب وإلى تراب تعود" (تك 3: 19)، ومن غير الفساد صار فاسداً وخضع لقيود الموت. وعندما صار للإنسان الساقط بالفعل في الموت أولادٌ، أي هؤلاء الذين وُلدوا منه، وُلدِنا نحن فاسدين([2]) بما أننا أتينا من الفاسد. بهذه الطريقة نحن وارثون لعنة آدم([3]). لكن على أية حال لم نُعاقَب([4]) لأننا مذنبين مع آدم وخالفنا الوصية التي أُوصي بها ذاك، لكن - كما قلت - لأن الإنسان حين صار مائتاً نقل اللعنة للأولاد الذين ولدهم. أي صرنا فانون من الفاني.

          لذلك صار ربنا يسوع المسيح آدم الثاني، وبدايةً ثانيةً([5]) لجنسنا بعد آدم الأول. أعاد تشكيلنا وقادنا إلى عدم الفساد مُهيناً الموت ومبطلاً إياه في جسده. بالمسيح إذن انحلَّت قوة اللعنة القديمة. لأجل هذا أيضاً يقول بولس الحكيم: "فإنه إذ الموت بإنسانٍ بإنسان أيضاً قيامة الأموات" (1 كو 15: 21)، وأيضاً: "لأنه كما في آدم يموت الجميع هكذا في المسيح سيُحيا الجميع" (1 كو 15: 22).

          نستنتج إذن أن اللعنة الجامعة والعامة لمخالفة آدم هي الفساد والموت([6])، وبالمثل الفداء الشامل (الجامع) للكل تحقق في المسيح. أي أن الطبيعة البشرية في المسيح قد خلعت الموت الذي كان يثقلها؛ لأن الإنسان الأول صار فاسداً.
          لكن والد كل واحد مِنا، بالرغم من أنه قُدِّس من الروح القدس ونال غفران خطاياه، إلَّا أنه لا يمكنه أن ينقل لنا أيضاً العطية؛ لأن واحداً هو الذي يقدِّس ويبرر جميعنا ويُحضِرنا ثانيةً إلى عدم الفساد، هو ربنا يسوع المسيح. وبواسطة المسيح، هذه العطية تأتي بالتساوى لجميعنا. وكل واحد يحصل على غفران الخطايا من المسيح بواسطة الروح القدس. جميعنا قد تحررنا من العقاب الذي تثقَّلنا به في البداية - أقصد الموت - الذي امتد إلى الجميع مثل الإنسان الأول الذي سقط في الموت([7]). لأجل هذا أيضاً يشير بولس الحكيم إلى أن الموت "قد مَلَكَ من آدم إلى موسى وذلك على الذين لم يخطئوا على شبه تعدي آدم الذي هو مثال الآتي" (رو 5: 14). لكن فيما بعد، عندما أشرق المسيح، أتى البر الذي بررنا بنعمة الله وأبعد الفساد عن جسدنا([8]).


([1]) أي النتيجة الطبيعية لسقوطه وإنفاله عن الله مصدر الحياة .
([2]) من الواضح هنا أن الفساد لا يُوجد في طبيعة الإنسان، لكنه النتيجة التي جاءت على الجنس البشري من جراء عصيان آدم الأب الأول، أنظر:
                Κυρὶλλου Ἀλεξανδρεὶας, Ἐρμηνεὶα εἰς τήν πρός Ῥωμαὶους ἐπιστολήν, PG 74, 789 Α. πασχάλια Ὁμιλὶα 15, PG 77, 744 Β.
)[3]( « οὓτως ἐσμέν τῆς ἐν Αδάμ κατάρας κληρονόμοι».
([4]) مشاركة كل البشرية في عمل آدم يقبله أغسطينوس، أنظر:
                Αὐγουστὶνου, De paccatorum meritis et remissione I, X, 11, PL 115. . καραβιδοποὺλου, ἁμαρτὶα κατα τόν ἀποστολον παῡλον, θες/νὶκη 1968, σ. 79 
                على النقيض، التعليم اللاهوتي لآباء الكنيسة الشرقية لا يقبل مشاركة كل البشرية في مسئولية ذنب الخطية الجدية المنسوبة إلى آدم. فبقية البشر مسئولون فقط تجاه خطاياهم الشخصية. نواة هذا التعليم عبَّر عنه القديس كيرلس في تفسيره لرسالة رومية: PG74, 788-789 A. أنظر أيضاً:
                Ἱ. ρωμανὶση, Ἡ προπατορική αμαρτὶα, σ. 153 ἐξ
([5]) أثناء الحديث عن نبوة إسحق ليعقوب الواردة في تك 27: 27 - 28 "رائحة ابني كرائحة حقل قد باركه الرب. فليعطك الله من ندى السماء ومن دسم الأرض. وكثرة حنطة وخمر"، يؤكد القديس كيرلس أن المسيح هو آدم الثاني وجذر ثانِ للبشرية، إذ يقول: "هكذا، فإن مفهوم النبوة يتناسب مع الشعب الجديد ومع المسيح نفسه الذي هو البداية والأصل، فهو آدم الثاني حقاً وبمثابة جذر ثانِ للبشرية لأن كل ما في المسيح هو خليقة جديدة. لقد تجددنا ثانية بالمسيح من جهة القداسة والحياة والخلود. أيضاً أعتقد أن حديث البركة يعني الرائحة الروحية الذكية التي في المسيح، كالرائحة الجميلة والمفرحة التي تأتي من ورود الربيع في الحقول اليانعة والمزهرة. هكذا قدَّم لنا المسيح ذاته في نشيد الإنشاد قائلاً: "أنا نرجس شارون سوسنة الأودية" (نش 1:2). حقاً كان سوسنة ونرجساً، هو الذي نبت من الأرض كإنسان، لكن بدون أن يعرف خطية، إذ تفوح منه عبق الرائحة الذكية على كل المسكونة. إذاً المسيح يشبه حقلاً مباركاً من الله حيث هو بالحق رائحة معرفة الله الآب الذكية لأن بولس الرسول قال: "شكراً لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويُظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان" (2 كو 14:2)]. جيلافيرا، ترجمة د. جورج عوض إبراهيم, مراجعة د. نصحي عبد الشهيد, الكتاب الشهري، ديسمبر 2005.
([6]) الرأي الأساسي للتعليم الآبائي الأرثوذكسي هو أن الخطية الأُولى هي مرض يورث الإنسان الفساد والموت. ووراثة الذنب كنتيجة للخطية الأولى، النظرية التي سادت في اللاهوت الغربي لا نتقابل معها في التعليم الأرثوذكسي الشرقي. الجدير بالذكر أن محاولة C. Dratsellas في كتابه: Man in his original state and in the state of sin according to st. Cyril of Alexandria, Athens 1971, P. 38. أن ينسب لكيرلس التعليم عن وراثة الذنب هي محاولة فاشلة تماماً.
([7]) الكلام هنا عن التمييز المدهش للخطية الأولى لآدم عن نتائج هذه الخطية التي هي مشتركة للكل.
([8]) يقول في موضع آخر القديس كيرلس: "يدعِّم هذا القول بولس الحكيم حين يكتب: "فإننا لسنا نكرز بأنفسنا، بل بالمسيح يسوع رباً، ولكن بأنفسنا عبيداً لكم من أجل يسوع. لأنَّ الله الذي قال أنْ يُشرق نورٌ من ظلمةٍ هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح" (2كو4: 5 - 6). ها قد أشرق بوضوحٍ ونقاء نور معرفة الله الآب في وجه يسوع. وهو يؤكد لنا ذلك قائلاً: "الذي رآني فقد رأى الآب. وأنا والآب واحد" (يو 14: 9، 10: 30). إنَّ الملمح الإلهي هنا ليس حضوراً جسدياً، لكنه بقوةٍ ومجدٍ لائقين بالله، وقد حُفِظَت هذه القوة تماماً في المسيح". القديس كيرلس الكبير، حوار حول تأنس الإبن الوحيد الوحيد وعن إنَّ المسيحَ واحدٌ وربٌ بحسب الكتب المقدسة، ترجمة عن اليونانية ومقدمة وتعليقات د. جورج عوض إبراهيم، ص 119.