الأحد، 8 يوليو 2012

الصلاة 2


الصلاة 2

للقديس يوحنا ذهبي الفم
ترجمة د. جورج عوض

الصلاة تحتاج لليقظة:

ليتنا نكون يقظين أيضًا عارفين مكائد ودسائس الشرير، ليتنا نجاهد بغيرة شديدة ونواجهه ونقاومه كأننا نراه أمامنا، ونطرد عنا كل فكر يسبب إضطرابًا لذهننا وننتبه بكل قوتنا ونصلي حقًا، حتى لا يتحدث اللسان فقط بل يشترك معه الذهن. لأنه لو قدّم اللسان أقوالاً وفِكرنا مشتت خارجًا، ينشغل بالسوق والأمور المتعلقة بالمنزل عندئذٍ لا تفيدنا الصلاة أبدًا، بل بهذه الطريقة سوف ندان بالأحرى.

  لأنه، عندما نأتي إلي شخص عظيم نكون يقظين جدًا لدرجة أننا مرات كثيرة لا نري هؤلاء الذين هم بالقرب منا لأننا نركز نظرنا تجاه هذا الشخص مفكرين فقط في ذاك الذي نقترب إليه، فكم بالحري يجب أن نصنع هذا تجاه الله ونلتصق به بالصلوات الدائمة والتي بلا إنقطاع. لأجل هذا أيضًا قال بولس: " مصلين بكل صلوة وطلبة كل وقتٍ في الروح" (أفسس18:6)، ليس باللسان فقط بل بيقظة دائمة وأيضًا بكل نفوسنا.

الطِلبات تكون روحية:

وطِلباتنا يجب أن تكون روحية، وفكرنا يكون دائمًا نقيًا وذهننا يكون منجذبًا للأقوال التي تُقال. فلتطلبوا مثل هذه الأمور والتي من الطبيعي أن تطلبوها من الله لكي تنالوا ما تطلبونه. ولأجل الأمور الروحية التي تطلبونها إسهروا وتيقظوا بتركيز أثناء الصلاة بدون أن تتركوا فكركم يتجول هنا وهناك بل بخوفٍ ورعدة جاهدوا لأجل خلاصكم. لأنه مكتوب " طوبي للإنسان المتقي دائمًا. أما المقسى قلبه فيسقط في الشر" (أمثال14:28).



الصلاة هي الصلاح العظيم، إنها حديث مع الله:

الصلاة هي الصلاح الأعظم لأنه إن كان مَنْ يتحدث مع إنسان فاضل يستفيد جدًا فكم بالحري الذي يُؤهل للحديث مع الله، يكتسب فضائل كثيرة جدًا. لأن الصلاة هي عبارة عن حديث مع الله. ولكي تعرف أنه هكذا تكون الصلاة إسمع النبي الذي يقول: " فيلذ له نشيدي وأنا أفرح بالرب" (مز 34:104). أي حديثي مع الله هو مفرح جدًا له.

الصلاة لا تخيب أبدًا:

هل لا يستطيع الله أن يمنحنا ما نريده قبل أن نطلبه؟ إنه ينتظر حتى نطلب لكي يأخذ الدافع مِنا حتى نصير عن حق جديرين بعنايته. سواء تحققت طلباتنا أم لا ليتنا نستمر علي الصلاة. ولنشكر الله ليس فقط عندما ننال ما نطلبه بل عندما لا نناله. لأن عدم التحقيق عندما يريد الله ذلك ليس أقل من التحقيق. وهذا لأننا لا نعرف ما هو صالح لنا مثلما يعرف الله. حسنًا، لأجل هذا يجب أن نشكره عندما ننال ما نطلبه وعندما لا نناله.

لكن لماذا تتشكك في أننا لا نعرف ما هو صالح لنا؟

 بولس هذا العظيم والذي إستحق أن يري تلك الصالحات التي لا تُوصف لم يعرف ما هي تلك الأمور التي هي لصالحه وطلب تلك التي ليست لصالحة. وهو يري أنه محاط بصعوبات وتجارب مستمرة صلي لكي يخلصه الله منها، وليس فقط مرة أو مرتين بل مرات كثيرة. لأنه يقول: " تضرَّعت إلي الرب ثلاث مرات" (2كو8:12). بقوله تضرَّعت ثلاث مرات يعني أنه تضرع مرات كثيرة لكن لم ينل ما طلبه. دعونا ـ إذن ـ نري تصرفه. هل تضايق؟ هل صار متذمرًا؟ هل ترك كل شيء؟ لا! بل ماذا قال؟ لقد قال: " فقال (الله) لي تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تُكَمل" (2كو9:12). ليس فقط لم يحرره مِن ما يضايقه بل أيضًا تركه لكي يتحمل الضيقات. ومِن أين يظهر أنه لم يتذمر؟ إسمع بولس حين عَرِفَ إجابه الرب: " فبكل سرور أفتخر بالحري في ضعفاتى لكي تحل عليَّ قوة المسيح" (2كو9:12). لقد قال ليس فقط لن أطلب أن يخلصني الرب مِن ضيقاتي بل قال سوف أفتخر بالحري وأُسرّ لأجلها. أرأيت النفس التي تعرف الإحسان الذي حدث؟ أرأيت محبته الحارة لله؟     

إسمع بولس الذي يقول: " لأننا لسنا نعلم ما نصلي لأجله" (رو26:8). يقول لا نستطيع نحن حيث إننا بشر أن نعرف كل شيء بدقة. فيجب أن يكون لدينا ثقة في خالق طبيعتنا ونقبل بفرحٍ وبشكر التجارب التي نجتازها ولا نري فقط الوجه الخارجي للأمور، بل نفحص ما هي الأمور التي تُفرِح الرب. لأنه يعرف جيدًا ما هو صالحنا. وهو يعرف جيدًا كيف يدبر خلاصنا.



يجب دائمًا أن نداوم علي الصلاة :

إهتمامنا يجب أن ينصب علي أمر واحد، أن نصر دائمًا علي الصلاة ولا نتضايق بسبب تأخر الرد بل علينا أن نتحلى بالصبر. فالرب لا يتأخر لأنه يرفض طلباتنا بل يتأخر لكي يجعلنا نظل بالأكثر مداومين علي الصلاة، ولأنه يرغب أن يكون بالأكثر مثابرين معه. نفس الأمر يفعله أي أب حنون حين يطلب منه إبنه شيئًا، فإنه لا يعطيه مباشرةً ليس لأنه لا يريد أن يعطيه بل لكي يكتسب الإبن فضيلة الإصرار المستمر علي الطلب.

حسنًا، ونحن نعرف كل هذا، فإننا لا يجب أن نتوقف أبدًا عن الإقتراب إلي الله ونصلي إليه. لأنه إن كان التضرع المستمر للمرأة أثّر علي ذاك القاضي القاسي الذي لا يهاب الله وجعله يخضع لطلبها، فكم بالأكثر نحن الذين نجاهد، ألا سوف نؤثر في ربنا محب البشر، الرحوم الذي يُسرع لخلاصنا إذا أردنا أن نتمثل بتلك المرأة؟

الليل هو وقت للصلاة حالة داود:   

دعونا نتدرب علي أن نكون مرتبطين وملتصقين بالصلاة، نهارًا وليلاً، بالأكثر في الليل حيث لا يزعجنا أحد وفكرنا يكون هادئًا ويوجد سكون وهدوء في حجرتنا، طالما لا يوجد أحد يزعجنا ويشتت ذهننا عن الصلاة، وقتذاك حيث يكون ذهننا صافيًا وُمَركّزًا لكي يعرض كل شيِء بدقة أمام طبيب النفوس.

فإن كان داود الطوباوي الذي كان ملكًا ونبيًا، بينما كان مشغولاً بقضايا كثيرة ومحاطًا بالزى والتاج الملوكي، قال: "في منتصف الليل أقوم لاحمدك علي أحكام برك" (مز62:119)،ماذا سنقول نحن الناس العاديين الذين ليس علي عاتقنا مهام كثيرة ولا نفعل مثلما يفعل داود؟

لأنه في النهار كان لديه أمور كثيرة وقضايا كثيرة تزعجه وتسبب له إضطرابًا شديدًا ولا يجد وقتًا مناسبًا لكي يسرع للصلاة، وفي وقت الراحة حيث يغط الآخرون في نوم عميق علي وسائد ناعمة، هذا الملك الذي علي عاتقه مسئوليات كثيرة، في هذا الوقت كان يُسرع للصلاة لكي يتحدث حديثًا خاصًا مع الله.

وبالصلوات الصريحة والحارة التي كان يصليها كان ينال ما يريده. وأيضًا بهذه الصلوات كان يكسب المعارك ويقيم بإستمرار نُصب الإنتصارات، لأنه بكونه محاربًا لا يقهر كان يتمتع بمعية الله التي كانت كافية ليس لينتصر فقط في الحروب التي تحدث مع البشر بل في تلك الحروب التي تحدث مع جيوش الشياطين.

ليتنا نفعل نحن مثلما فعل هذا الملك، نحن الذين نحيا حياة لا تشغلنا فيها قضايا كثيرة شائكة، ليتنا نتمثل بهذا الذي تخطي حياة الرهبان بينما كان يحيا في ملابسه الملوكية لابسًا تاج المُلك. ولكي تدرك ما أقوله إسمعه حين يقول: " صارت لي دموعي خبزًا نهارًا وليلاً" (مز3:42). أرأيت النفس التي كانت موجودة في سهر ويقظة؟ يقول، خبزي، وغذائي لم يكن شيئًا آخرًا إلا دموعي نهارًا وليلاً. وأيضًا: " تعبت في تنهدي. اعوَّم في كل ليلة سريري بدموعي أذوَّب فراشي" (مز6:6).

ماذا سنقول نحن أو كيف سندافع عن أنفسنا حين لا نريد أن نفعل مثلما فعل هذا الملك الذي كان مشغولاً بمهام كثيرة، فأخبرني، هل يوجد أجمل من عيون باكية تنساب منها الدموع كأنها مزينة بجواهر؟