السبت، 10 سبتمبر 2011

الصلاح - للقديس باسليوس الكبير


الصلاح

للقديس باسليوس الكبيرترجمة د.جورج عوض ابراهيم

أ-الأعمال الصالحة هي فقط التي تجعلنا مستعدين للحياة الأخرى
"أيها الأبناء ، نحن نقبل بأن هذة الحياة البشرية ليست لها أي قيمة ولا نعتبر الشييء الذي يفيدنا فقط في هذة الحياة بأنه أمر صالح . حسناً نحن لا نعتبر ذات أمر هام ولا جدير بالتمني الصيت السلفي ولا القوة الجسدية ولا الجمال ولا العظمة ولا كرامات ينسبها لنا الناس ، ولا الرتبة الملوكية ذاتها ولا أي شييء بشري يصفة المرء بأنه هام ـ ولا أيضاً أولئك الذين يُعجبون بأمور العالم الحاضر ، بل بالرجاء نمضي أبعد كثيراً ونفعل كل شييء لكي نستعد للحياة الأخرى ( راجع مت33:6، فيلبي2:3). إذن كل ما يقودنا لهذا الهدف ، نقول أنه يجب أن نحبه ونهدف إليه بكل قدرتنا أما تلك الأمور التي لا تقودلتلك الحياة ، نحتقرها وغير جديرة بالحديث عنها " ΕΠΕ7,318
ب- الله هو الصلاح الأسمى
" يوجد إذن الصلاح الجدير بالطوبى والأول ، الصلاح الحقيقي. هذا هو الله ... لآنه مستحق الطوبى هذا هو الصلاح الذاتي ، الله ، الذي بمفرده صالح ومصدر الخير والصلاح . يتطلع الكل له ، يرغبونه لكي يستمتعوا بكل شييء ، إنه ذو طبيعة غير متغيرة وغير متحولة ، ذو المكانة الربانية والسيادية ، هو الحياة غير المتزعزعة وغير المضطربة والتي فيها لا يوجد أي تغيير . لا يعتري هذة الحياة أي تغيير ، إنها المصدر الذي لا ينضب ، والنعمة الوفيرة ، والكنز الذي لا يُستنزف "ΕΠΕ5,20
.
ج- الصلاح له قيمة عندما يصير إرادياً وليس إجبارياً
" نحن نثني على أولئك الذين هم صالحون بإرادتهم وليس أولئك الذين يُمنعوا بالإجبار ويتجنبوا الشر"ΕΠΕ6,266
د-  إثنوا فقط على الثبات في الصلاح
" حقاً ، يا إبني المحبوب ، الأمر الهام والجدير فقط بالثناء هو الصلاح الدائم " ΕΠΕ3,386

الاثنين، 5 سبتمبر 2011

القدر و العناية الإلهية ـ ليوحنا ذهبى الفم 1




القَدَر والعناية الإلهية
للقديس يوحنا ذهبي الفم



ترجمة د . جورج عوض إبراهيم




مقدمة

يتساءل الكثيرون عن مسيرة الحياة وهل هي تحدد إجباريًا عن طريق عوامل خارجية مستقلة عن الإنسان ـ نقصد عن طريق القضاء والقدرـ أم أن الإنسان يتمتع بحرية تمكنه أن يصنع طريق حياته بإرادته.
يفحص القديس يوحنا ذهبي الفم ويحلل موضوع القَدَر ومفهوم العناية الإلهية وذلك من خلال ستة مقالات نُشرت بمجلد ميني (PG 50, 749-774). وقد استعنا أثناء الترجمة بالنص المنشور بواسطة Apostol…k» Diakon…oj من ضمن سلسلة صوت آبائنا H fwn» tîn patšrwn maj كتاب رقم 5، أثينا 1989 ص9ـ63.



 يهدف القديس بهذه المقالات إلى بناء المؤمنين أخلاقيًا وروحيًا، فالمؤمنون يتعرضون مرات كثيرة للارتباك والحيرة أمام التعاليم الكاذبة والخرافية التي تخرج عن التعاليم المسيحية.






المقالة الأولى [1]

اضطرابات الحياة وقلاقلها لا تَنْتُج عن ظروف
الحياة، بل نحن الذين نصنعها بأنفسنا

[ يحاول القديس يوحنا ذهبي الفم من خلالها توجيه المؤمنين إلى النظرة الواعية والتقييم الصحيح للأمور العالمية حتى يتجنبوا خطية إدانة الله عندما يواجهون مصاعب وأحزانًا في الحياة. ويحثهم فيها على التحلِّي بنبل النفس المُحِبة للفضيلة وألاَّ يستندوا على الأشياء المادية لكي يحصلوا على السعادة.]


حقًا يملأ الاضطراب حياتنا ويسود القلق على معيشتنا، لكن الشر ـ يا أحبائي ـ لا يكمن، لا في الاضطراب ولا في القلق في حد ذاتهما، إذ أننا نستطيع أن نتخلص منهما بكل سهولة، أو أننا يمكن أن نحتملهما بدون حزن. ولكننا للأسف لا نفعل هذا، بل نقضي كل وقتنا في يأس.



:السبب الحقيقي للحزن 

إننا نرى الواحد يحزن لأجل فقره والآخر لأجل مرضه، بينما نرى آخرين يحزنون لأجل هموم ومشاكل تتعلق بإحتياجات الأسرة مثل توفير الطعام. ويحزن البعض الآخر بسبب حرمانهم من إنجاب النسل.



 عليكم يا إخوتي أن تلاحظوا أن هذا يوضح نوعًا من الحماقة إذ أنه لا يوجد سبب واحد للحزن بالنسبة للجميع، بل إن ذلك يتوقف على الرؤية الخاصة بكل إنسان. ولتوضيح ذلك نقول: لو كانت هذه العوامل التي ذُكِرت هي سبب أحزاننا لوجَب الحزنُ لأجل أمورٍ ثابتة ومشتركة لدى جميعهم ولا تتغير من شخص لآخر.


 فعلى سبيل المثال لو كان الفقر شرًا يدعو للحزن لكان على الغَني أن يحيا بدون حزن أو اضطراب. ولو أن من حُرِم من إنجاب أولاد عليه أن يحزن، لكان على من له أولاد أن يظل سعيدًا. كذلك لو أن مَن له سلطان أن يحكم مدينة ويتمتع بكرامة ولديه كثير من الخدم تحت طوعه ويعيش حياةً تستحق الحسد هو الذي يعيش سعيدًا، لكان على الناس جميعًا أن تهجر حياة الهدوء والسكينة وينشدون مثل هذه الحياة. ولكننا نرى أن الغني والفقير يتعرضون للحزن، وكثيرًا ما يكون حزن الغني أقوى من حزن الفقير.
علينا إذًا ألاَّ ننسب سبب أحزاننا إلى هذه الأمور في حد ذاتها، بل نُرجعها بالحري إلى أنفسنا نحن الذين لا نستطيع أن نتعامل مع هذه الظروف كما ينبغي لكي نتخلص من كل ضيق.



إن الحزن والاضطراب والقلق تُعتَبر من العوامل التي لا تكمن داخل الظروف التي نتعرض لها، بل أن النفس الإنسانية هي التي اعتادت على تجسيدها. والدليل على ذلك أنه عندما تكون النفس في حالة جيدة، فإننا ننعم بالسلام والهدوء حتى لو ضربتنا الأمواج من كل ناحية. والعكس صحيح فعندما نكون في حالة نفسية سيئة فإننا نشعر بالضيق والقلق وكأننا على وشك الغرق حتى لو كان كل شيء حولنا على ما يرام.



إننا نستطيع أن نؤكد ذلك لو أخذنا الجسد كمثال: فمن يتمتع بصحة جيدة، لن يعاني أي أذى حتى لو أحاطت به جميع الظروف المناخية المضادة، بل يمكن أن يكتسب قوة أكبر عندما يعيش في هذه الظروف. أمَّا مَن كانت صحته ضعيفة وجسده مريضًا، فإنه لن يستطِع أن يستفيد شيئًا حتى لو عاش في مناخ ممتاز؛ لأن ضعفه سيجرده من أي إحساس بذلك المناخ. وينطبق هذا أيضًا على مقدرة المعدة على القيام بوظائفها في هضم الطعام.

فعندما تكون سليمة فإنها تهضم حتى الطعام عسر الهضم، أمَّا عندما تكون مريضة فإنها تدمِّر نوعية الطعام الجيد ولن يفيد الجسم بشيء على الرغم من جودة الطعام وسهولة هضمه. أيضًا العين عندما تكون مريضة فإنها لا ترى في وضح النهار سوى ظلمةً وأشباحًا ولا يفيدها نور الشمس. أمَّا من كانت عينه سليمة، فإنها تقود جسمه بأمان حتى في الظلام الدامس.



هكذا أعين نفوسنا: فبقدر ما تكون صحيحة بقدر ما تميِّز الأشياء بسهولة حتى لو كانت هذه الأشياء متداخلة فيما بينها. أما عندما تكون سقيمة فإنها سترى فوضى واضطرابًا عظيمًا حتى في السماء نفسها.

يُتبع