الجمعة، 11 مايو 2012

الصلاة للقديس يوحنا ذهبي الفم


الصلاة

للقديس يوحنا ذهبي الفم
ترجمة د جورج عوض

الصلاة والمحبة:

       الصلاة هي فضيلة عظيمة. وهذا الأمر يبدو من الآتي: بولس الرسول الذي صعد إلي السماء الثالثة وسمع أقوالاً لا تُوصف، بولس الرسول الذي سما فوق إحتياجات الطبيعة البشرية والذي لم يكن واردًا أن يكون  في خطر السقوط بل كان في أمان تام، كان في إحتياج لصلاة التلاميذ وقال: " فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَبِمَحَبَّةِ الرُّوحِ، أَنْ تُجَاهِدُوا مَعِي فِي الصَّلَوَاتِ مِنْ أَجْلِي إِلَى اللهِ، لِكَيْ أُنْقَذَ مِنَ الَّذِينَ هُمْ غَيْرُ مُؤْمِنِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ، وَلِكَيْ تَكُونَ خِدْمَتِي لأَجْلِ أُورُشَلِيمَ مَقْبُولَةً عِنْدَ الْقِدِّيسِينَ" (رو30:15ـ31). وأيضًا " وَلأَجْلِي، لِكَيْ يُعْطَى لِي كَلاَمٌ عِنْدَ افْتِتَاحِ فَمِي، لأُعْلِمَ جِهَارًا بِسِرِّ الإِنْجِيل" (أفسس19:6).

          لقد رأيتموه يطلب دائمًا صلوات التلاميذ. وحتى لا يقول أحد أنه يلجأ من تواضعه لصلوات التلاميذ، فإنه يُظهِر قوة صلواتهم، قائلاً: " الَّذِي نَجَّانَا مِنْ مَوْتٍ مِثْلِ هذَا، وَهُوَ يُنَجِّي. الَّذِي لَنَا رَجَاءٌ فِيهِ أَنَّهُ سَيُنَجِّي أَيْضًا فِيمَا بَعْدُ. وَأَنْتُمْ أَيْضًا مُسَاعِدُونَ بِالصَّلاَةِ لأَجْلِنَا، لِكَيْ يُؤَدَّى شُكْرٌ لأَجْلِنَا مِنْ أَشْخَاصٍ كَثِيرِينَ، عَلَى مَا وُهِبَ لَنَا بِوَاسِطَةِ كَثِيرِينَ." (2كو10:1ـ11).

          بما أن صلاة الكثيرين أنقذت بولس من الأخطار، إذن كيف لا ينبغي أن نأمل نحن أيضًا بأننا سوف نستفيد كثيرًا من هذه الحماية؟ لأننا حين نصلي بمفردنا نكون ضعفاء، لكن عندما نجتمع معًا نصير أقوياء جدًا ونترجى الله بإجتماعنا معًا وتكاتفنا المشترك. أيضًا عندما يحكم الملك علي شخص بالموت، مرات كثيرة لا يتراجع عن حُكمة إذا توسط أحد ليعفي عنه، أما حين تتوسل كل المدينة ليتنازل عن قراره عندئذٍ يتنازل. والذي يُساق للإعدام بقطع الرقبة يعفي عنه ويمنحه الحياة بسبب توسل كل مواطني المدينة. كم هي عظيمة قوة تضرع الجموع.

          لأجل هذا أيضًا نجتمع كلنا معًا هنا لكي نتوسل إلي الله ليمنحنا الرحمة العظيمة. لأننا، كما قُلت، حين نصلي بمفردنا نكون ضعفاء، بينما بواسطة المحبة التي تجمعنا معًا فإننا نترجي الله أن يستجيب لطلباتنا.

          هذه الأقوال لا أقولها بدون هدف، ولا لأجل نفسي فقط بل لكي تأتوا دائمًا بتأهب وإستعداد لهذه الإجتماعات ولا تقولوا: ألا أستطيع أن أصلي في البيت؟ يمكن أيضًا أن تصلي في البيت لكن الصلاة لن تكون لها قوة كبيرة مثلما تصير مع أعضائك وأقاربك، لن تكون لها نفس الوقت عندما يوجه كل جسد الكنيسة المتحد بنفس واحدة الطِلبة لله، بينما الكهنة حاضرون ويصعدون صلوات كل الجموع الحاضرة.



قوة الصلاة المشتركة:

          هل تريد أن تعلم كم هي قوة الصلاة التي تصير في الكنيسة؟ ذات مرة كان بطرس محبوسًا ومقيدًا بسلاسل كثيرة:  " أما الكنيسة فكانت تصير منها صلوة بلجاجة إلي الله من اجله" (أع5:12)، وقد حررته الصلاة مباشرة. أي قوة أكثر كان يمكنها أن تصير من هذه الصلاة التي أفادت أعمدة وأبراج الكنيسة! لأن بطرس وبولس كانا مِن أعمدة وأبراج الكنيسة. للأول حلَّت القيود، بينما فتحت فم الثاني.

          لكن لكي لا تُظهِر قوة الصلاة المتضاعفة فقط من حوادث ذلك العصر، بل أيضًا من هذه الحوادث التي تحدث يوميًا، دعونا نُذكَّركم بفاعلية الصلاة التي يصليها الشعب.

          لو أن أحدًا أمركم بأن تصلوا منفردين لأجل خلاص الأسقف، فإن كل واحد منكم سوف لا يهتم لأن هذا المطلب هو أعظم من قدرته. لكن عندما نسمع كلنا معًا الشماس يحثنا ويقول " صلوا من اجل الأسقف، من أجل صحته ومعونته ومن أجل أن يعلم بإستقامة كلمة الحق ومن أجل هؤلاء الذين هم موجودين هنا وأولئك الذي هم موجودين في كل أماكن الأرض، لن يهرب أحد منكم من هذا الأمر بل بحماس تقدمون الصلاة لأنكم تعرفون قوة إجتماعكم.

          يعرف المؤمنون هذه الأمور التي أقولها. لكن في صلاة الموعظين إطلاقًا لا يُسمح بأن يصير هذا، لأنهم لم يبلغوا بعد إلي هذه الحالة الروحية. بينما أنت يحثكم الشماس بأن تصلوا من أجل المسكونة ومن أجل الكنيسة، والتي قد إمتدت حتي أقاصي الأرض ولكل الأساقفة الذين يدبرون أموركم، وهذا تفعلونه بتاهب وإستعداد وتظهرون هكذا عمليًا قوة الصلاة التي تُقدّم في الكنيسة بإتفاق كل الشعب[1].

ينبغي دائمًا أن ترتبط الصلاة بالصوم:

          ينبغي أن ترتبط دائمًا الصلاة بالصوم. وما أقوله هو صواب، إسمع المسيح الذي يقول: " وَأَمَّا هذَا الْجِنْسُ فَلاَ يَخْرُجُ إِلاَّ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْم" (مت21:17). وبالنسبة للرُسل نقرأ الآتي: " وَانْتَخَبَا لَهُمْ قُسُوسًا فِي كُلِّ كَنِيسَةٍ، ثُمَّ صَلَّيَا بِأَصْوَامٍ وَاسْتَوْدَعَاهُمْ لِلرَّبِّ الَّذِي كَانُوا قَدْ آمَنُوا بِهِ" (أع23:14). وأيضًا يقول الرسول " لاَ يَسْلُبْ أَحَدُكُمُ الآخَرَ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى مُوافَقَةٍ، إِلَى حِينٍ، لِكَيْ تَتَفَرَّغُوا لِلصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ، ثُمَّ تَجْتَمِعُوا أَيْضًا مَعًا لِكَيْ لاَ يُجَرِّبَكُمُ الشَّيْطَانُ لِسَبَبِ عَدَمِ نَزَاهَتِكُمْ" (1كو5:7).

          أرأيت أن الصوم يحتاج للصلاة؟ لأنه وقتذاك تصير الصلاة بإنتباه وبضمير طاهر وبدون أي ثقل وبدون ضغط ثقل الطعام. الصلاة هي سلاح عظيم، هي الأمان وهي الميناء والكنز فالصلاة هي سلاح عظيم وأمان وكنز وميناء ومكان لا يقترب إليه اللصوص. وهذا يحدث عندما نقترب من الرب بيقظة وبذهن نقي. هكذا ينبغي أن نصلي حتى لا نعطي للعدو حق التدخل في خلاصنا.فالعدو يعرف وقتذاك أننا نستطيع أن نجد شفاءً جذريًا، طالما نتحدث عن ما يشغلنا ونعترف بخطايانا ونُطِهر الجروح النفسية للطبيب الروحي.



[1]  القديس يوحنا ذهبي الفم، بخصوص عدم وضوح بعض النبوات PG 56،181-182.   ΕΠΕΙ، 354-358

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق