الأحد، 23 مارس 2014

لا في هذا الجبل ولا في أورشليم



لا في هذا الجبل ولا في أورشليم
القديس يوحنا ذهبي الفم في تفسيره لإنجيل يوحنا
ترجمة د.جورج عوض
قال لها يسوع يا امرأة  صدقيني أنه تأتي ساعة  لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون للآب. أنتم تسجدون لما لستم تعلمون. أمَّا نحن فنسجد لما نعلم. لأن الخلاص هو من اليهود. ولكن تأتى ساعة وهى الآن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق ” (يو4: 21 ـ 23)

الإيمان مصدر الصالحات
      1ـ أيها الأحباء، نحن دائما في احتياج للإيمان؛ لأن الإيمان هو مصدر الخيرات ودواء الخلاص. بدونه لا نستطيع أن نفهم التعاليم الإيمانية. إن من يشرعون في عبور البحر دون سفينة، يستطيعون السباحة قليلاً مستخدمين الأيدي والأرجل، لكن بعدما يتقدمون بعيدًا سرعان ما يغوصون في الأعماق بسبب الأمواج، هكذا أولئك الذين، قبل أن يتعلموا شيئًا ـ يستخدمون تأملاتهم الخاصة، إنهم هؤلاء الذين قال لهم بولس  " هؤلاء ينكسر بهم السفينة من جهة الإيمان".
      وحتى لا نتعرّض نحن لهذا الأمر، ليتنا نمسك بالمرساة المقدسة، التي بواسطتها قاد يسوع الآن المرأة السامرية. فعندما سألته: " أنتم تقولون إن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يُسجد فيه"، قال لها يسوع: "يا امرأة صدقيني أنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون للآب". لقد كشف المسيح لها تعليمًا إيمانيًا عظيمًا لم يكن مفهومًا لنيقوديموس ولا لنثنائيل. وبالرغم من أن السامرية أرادت أن تؤكد سمو ما لديها من تعليم فوق التعاليم اليهودية، إذ أنها أرجعته إلى الآباء البطاركة القدماء، إلاَّ أن المسيح لم يُجب على سؤالها باعتباره زائدًا عن الحاجة قياسًا على ما سيقوله ويبرهن عليه، إن آباءها عبدوا الله على جبل السامرة، بينما عبده اليهود في أورشليم.
      وبما أنه رفع نفسها عاليًا، وقد جرَّد الموضعين من عظمتهما، موضحًا أنه لا اليهود ولا آباؤها استطاعوا أن يمنحوا المستقبل شيئًا هامًا، ولذلك لم تُحر جوابًا ولاذت بالصمت. وعندئذ عرض الخلاف، فبرهن على أن اليهود كانوا أعظم، ليس بمقارنة مكان بمكان، ولكن لأنهم كانوا أصحاب العبادة الأفضل، فاليهود كانوا يتفوقون على السامريين في العبادة لأنه يقول: " أنتم تسجدون لما لستم تعلمون، أمَّا نحن فنسجد لما نعلم". إذن، فالمشكلة ليست في المكان.
      لماذا لم يعرف السامريون لمَن يسجدون؟ لأنهم اعتقدوا أن الله يمكن أن ينحصر في مكان ومن ثم يمكن أن يتجزَّأ، هكذا عبدوه. وهكذا أبلغوا الفرس قائلين إن إله هذا المكان غضب منهم؛ لأن تصورهم عن الله لم يكن أفضل من تصورهم لأصنام الوثنيين. لذلك استمروا في السجود لهذا الإله والشياطين خالطين ما لا يُخلط.
      لكن اليهود كانوا متحررين من هذا الاعتقاد، بل أقرّوا أن الله هو إله المسكونة كلها حتى لو لم يؤمن به الجميع. لذلك يقول المسيح:    " أنتم تسجدون لما لستم تعلمون. أمَّا نحن فنسجد لما نعلم".


أرى أنك نبى
      لا تتشكك إذن؛ إذا رأيت المسيح يحسِب نفسه ضمن اليهود؛ لأنه يتحدث وفقًا لرأي المرأة السامرية بأنه نبي اليهود، لذلك استخدم كلمة "نسجد". أمَّا كونه هو المسجود له فهو أمرٌ لا يجهله أحد. لأن الخليقة نفسها هي التي تسجد لرب الخليقة. وهو أيضًا يتحدث كيهودي. ويقصد بكلمة "نحن"، " نحن اليهود".
      وبالرغم من أنه رفع اليهود، لكنه لم يكن محلاً لثقتهم؛ لأنه يربط الإيمان بأقواله مُبعدًا أية شبهة ومبرهنًا على أنهم لم يُستثنوا بسبب القرابة؛ لأن المسيح عبَّر عن رأيه حول المكان الذي كان محلاً لافتخارهم، وكانوا يظنون أنه أعظم من أي مكان آخر، وبما أنه جرَّد كِلا المكانين من عظمتهما، فمن الواضح أنه لا يقول هذه الأقوال لكي يسعد أحدًا، لكنه قال هذه الأقوال لأجل الحق وقوة الإعلان الإلهى.

مفهوم " إن الخلاص هو من اليهود"
      إذن، وبما انه أبعد السامرية عن هذه الأفكار، وقال لها: " إن الخلاص هو من اليهود"، فإن ما قاله يعني أحد أمرين، الأول: من هناك تأتي كل الخيرات للمسكونة (لأن معرفة الله وإدانة الأصنام جاءت من شعب اليهود، وكذلك كل التعاليم الأخرى، وعبادتك (عبادة السامريين) ـ بالرغم من عدم استقامتها ـ فهي جاءت من اليهود). أمَّا الثاني: فهو أن مجيئه هو يُدعى خلاصًا. وعلى الأغلب فإن كلا المعنيين واردٌ، ولا يستبعد أحدهما الآخر، بالرغم من أنه يدعو كلا الأمرين: خلاصًا، أي الخلاص الذي قال عنه أنه يأتي من اليهود. وهذا ما أشار إليه بولس الرسول حين قال: "ومنهم المسيح حسب الجسد الكائن على الكل إلهًا مباركًا إلى الأبد آمين" (رو9: 5). هل رأيت كيف يشير إلى العهد القديم باعتباره أصلاً لكل الخيرات، وإنه بكافة الطرق ليس معاديًا للناموس؟ وبالرغم من أنه قال إن اليهود هم السبب في كل الصالحات، إلاَّ أنه:
تأتي ساعة وهي الآن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق. لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له” (يو4: 23).
وكأنه يقول نمتاز عنكم يا امرأة من جهة طريقة العبادة، بالرغم من أنها قاربت على الانتهاء. لأن تلك النماذج (نماذج العبادة) ستتغير، وتتغير أيضًا طرق العبادة. وهذا الأمر قريب جدًا؛ لأنه يقول: "ستأتي ساعة وهي الآن".

الساجدون الحقيقيون
      2ـ ولأن الأنبياء سبق أن قالوا منذ زمن بعيد هذه الأقوال، فقد تم التصديق عليها هنا، ولذلك قال: "وهي الآن"، أي لا تظني أن هذه النبوة ستتحقق بعد مرور وقت طويل؛ لأن هذه الأمور حاضرةٌ الآن والساعة قريبة جدًا "حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق". وعندما قال: "الحقيقيون" أغلق على السامريين واليهود معًا، لأنه بالرغم من أن الأخيرين أفضل من الأولين، لكن مستقبلهم سيكون أكثر انحطاطًا. وبقدر الاختلاف بين الحقيقة والظل، يقول عن الكنيسة، إنها هي العبادة الحقيقية واللائقة بالله " لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له".
      إذن من هم أولئك الساجدون الحقيقيون؟ هل هم الذين يحصرون العبادة في مكان ما؟ لا، بل الذين يعبدون الله روحيًا كما قال بولس الرسول: " فإن الله الذي أعبده بروحي في إنجيل ابنه" (رو1: 9)، ثم يقول: " فأطلب إليكم أيها الأخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حيةً مقدسةً مرضية عند الله عبادتكم العقلية" (رو12: 1). وحين قال المسيح: " الله روح" لم يعلن شيئًا آخر سوى أنه غير جسدي. إذن يجب أن تكون العبادة غير جسدية، وأن تقدَّم بواسطة ما هو غير جسدي داخلنا، أي من خلال نقاوة النفس والذهن، لذلك يقول:

والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا” (يو24:4).
      ولأن السامريين واليهود سبق لهم أن أهملوا النفس، وانشغلوا كثيرًا بالجسد مطهِّرين إياه بكافة طرق العبادة الشكلية، يشدد المسيح على أن غير الجسدي، إنما يُسجد له، لا بالطهارة الجسدية، بل بالعبادة الروحية، أي بالقلب وبالروح.
لا تقدِّم ذبيحةً من الخراف والثيران، لكن قدِّم ذاتك ذبيحةً لله؛ فبهذه الطريقة فقط يمكنك أن تُقَدِّم ذبيحةً حيةً. وينبغي أن تعبده بالحق، ولذلك، فكل ما كان فى القديم: مثل الختان، والذبائح والمحرقات، وتقدمة البخور، كانت كلها مجرد رموز وظلال للحق، لكن ليس لها وجود الآن؛ لأن كل شيء صار حقيقيةً، فلا ينبغي لأحد أن يبغض الجسد، بل الأفكار الشريرة، ويصلب ذاته ويمحي أفكاره الشهوانية بتقديم ذاته ذبيحةً.

المسيح هو المسيا
لقد سببت أقوال المسيح اضطرابًا فكريًا للمرأة، فلم تستطع أن تصل إلى سمو هذه الأقوال، وقد تَعِبت. اسمع ماذا أجابت:

أعلم أن مسيا الذي يقال له المسيح يأتي, فمتى جاء ذاك يُخبرنا بكل شيء. قال لها يسوع أنا الذي أُكلمك هو” (يو25:4و26).
من أين للسامريين أن ينتظروا المسيح وقد قبلوا ـ فقط ـ موسى؟ من نفس ما كتبه موسى. لأن الابن أُعلن منذ البداية؛ لأن عبارة " نخلق الإنسان على صورتنا كشبهنا" (تك1: 26) قيلت للابن. ويعقوب يتنبأ عنه ويقول: " لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون وله يكون خضوع شعوبٍ" (تك 49: 10). وموسى نفسه قال: " يقيم لك الرب إلهك نبيًا من وسطك من إخوتك مثلي له تسمعون" (تث18: 15). وكل ما هو مكتوب عن الحية وعصا موسى، وعن اسحق والحمل، وأمورٌ أخرى كثيرة ـ يمكن لأي أحد أن يجمعها ـ كل هذه تشهد لمجيئه.
وسوف تسأل: لماذا لم يستخدم المسيح كل هذه الشواهد لكي يقنع المرأة، فقد ضرب مثلاً لنيقوديموس: عن الحية (التي رفعها موسى في البرية)، وذكر لنثنائيل نبوةً، أمَّا لتلك المرأة فلم يقل شيئًا؟ فما هو السبب في ذلك؟ لأن أولئك كانوا رجالاً، وكانوا مهتمين بهذه الشواهد، أمَّا هذه فقد كانت امرأة فقيرة وغير متعلمة، وبالتالي لم تعرف الكتب المقدسة. لأجل هذا لم يتحدث معها عن هذه الأمور، لكن جذبها بحديثه عن الماء وكشف عن خباياها، واستدعى إلى ذاكرتها المسيا وأعلن ذاته، وهو الأمر الذي يختلف عما لو كان قد قال لها من البداية هذا الإعلان، عندئذٍ كان سيبدو في نظرها مجرد شخص يثرثر ويعبث، لكن بينما هو يستدعي في ذاكرتها هذه الأمور، يكشف لها عن ذاته بطريقةٍ مناسبةٍ.
والمسيح لم يُجب بوضوح على تساؤلات اليهود الذين دائما ما كانوا يسألون دائمًا: "حتى متى تعلَّق أنفسنا. إن كنت أنت المسيح قل لنا" (يو10: 24). لكنه قال للمرأة بكل وضوح إنه هو المسيح؛ لأن هذه المرأة كانت أكثر استعدادًا من اليهود. فاليهود لم يسألوا لأنهم يريدون أن يتعلموا، لكن يريدون أن يصطادوه. لأنهم لو كانوا يريدون التعلّم لكان يكفيهم تعليم الكتب المقدسة والتقليد، لكن السامرية تحدثت معه بذهن بسيط، وفحص نقي ونزيه. ويبدو هذا واضحًا مما فعلته بعد هذا الحديث، فقد سمعت وصدَّقت وأتت بآخرين إلى الإيمان، ويمكن لأي أحد على أي وجه أن يلحظ جدية وإيمان هذه المرأة.
"وعند ذلك جاء تلاميذه"، لقد جاء تلاميذه بينما كان يتحدث مع المرأة، لكن لم يسأل أحدٌ منهم المسيحَ عما يتحدث به مع المرأة، أو لماذا يتحدث معها؟ (يو27:4).
لكن لماذا صار التلاميذ في حيرة وارتياب؟ ألأجل وضاعتها الشديدة؟ بينما كان المسيح معروفًا لدى الكل، يرونه الآن يتناقش بتواضع مع امرأة سامرية نكرة. وبالرغم من أنهم تعجَّبوا، إلاَّ أنهم لم يسألوا عن السبب، فقد كانوا مطيعين دائمًا في حفظ رتبتهم كتلاميذ، فكانوا يهابونه ويحترمونه جدًا. وبالرغم من أنه لم يكن هناك بعد إيمان قاطع وراسخ بشأنه (كابن الله)، لكنهم كانوا يقدرونه كإنسان جدير بالإعجاب، ويحترمونه احترامًا عظيمًا.
لكن، في مراتٍ كثيرة بدا التلاميذ أكثر جرأة: عندما اتكأ يوحنا على صدره، وعندما سألوه: "من هو الأعظم في ملكوت السموات"، وعندما طلب ابني زبدي من المسيح أن يجلس الواحد منهما عن يمينه والآخر عن اليسار (مت20:20). فلماذا لم يسألوه في هذه الحالة؟ يبدو أنهم وقتذاك كانوا في حاجة إلى أن يسألوا عن أمورٍ خاصة بهم، أمَّا الآن فالحدث لا يهمهم كثيرًا.

التلميذ الذى كان يسوع يحبه
يوحنا أيضًا بعد مرور الزمن صنع نفس الأمر لأجل هذا الهدف، بعد أن كانت له قناعات عظيمة وعندما تمتع بحب المسيح بدرجة أعظم فقد كان " التلميذ الذي كان يسوع يحبه" (مت19: 26).
ما هو وجه الشبه فى هذا مع الطوباوي؟
دعونا لا نتوقف يا أحبائي عند مجرد تطويب الرسول، بل تعالوا نبحث وراء تلك الأسباب التي استدعت هذه الدرجة من المحبة؟ هل لأنه هجر أبيه، وترك سفينته وشباكه وتبع المسيح؟. حسنًا، ولكن بطرس وأندراوس وباقي الرسل الآخرين، فعلوا نفس الأمر، فما هو إذن ذلك الأمر الاستثنائي الممتاز الذي استدعى هذه المحبة العظيمة؟ إن يوحنا نفسه لم يقل شيئًا إلاَّ فقط أنه محبوب عند المسيح، وقد كان واضحًا لكل واحد أن المسيح يحبه حبًا خاصًا. وإن كان لم يتحدث إطلاقًا معه عن هذا الأمر ولا سأله، كما حدث مرات كثيرة مع بطرس، ومع يهوذا ومع توما، وإن كان ذلك قد حدث مرة واحدة فقط عندما أراد أن يشكره ويُسمع شريكه في الخدمة الرسولية، فعندما أومأ إليه المتقدم فى الرسل، ونظرًا لما بينهم من محبة كبيرة، عندئذٍ اضطر يوحنا أن يسأله[1]. وهكذا نجد فيما بعد أنهما يصعدان معًا إلى الهيكل ويخطبان في الجموع.
وبالرغم من أن بطرس كان يتحرك كثيرًا ويتحدث بحرارة، إلاَّ أن ذلك لم يمنع يسوع في النهاية أن يسأله: " يا سمعان بن يونا أتحبني أكثر من هؤلاء" (يو21: 15). لقد أحبه ذاك (أى يوحنا) بالأكثر. من الواضح أن المحبة نحو المسيح شيء، وأن يكون محبوبًا من المسيح شيء آخر. إذن، ما هو الذي استدعى المحبة الشديدة نحو يوحنا؟ أنا أعتقد أن يوحنا كان ذا شخصية متواضعة ووديعة بدرجة عظيمة، لذلك لا يبدو أنه تصرف بجسارة على الإطلاق. كم هو عظيم هذا الأمر، وهو الأمر الذي نلاحظه عند موسى أيضًا؛ لأنه تصرف بنفس الطريقة.
حقًا لا يوجد أعظم من التواضع! لذلك افتتح المسيح التطويبات بهذه الفضيلة (مت5: 3). لأنه مثل من يبني مبنىً كبيرًا ويضع حجر الأساس والقاعدة، هكذا المسيح وضع أولاً التواضع؛ لأنه ليس من الممكن، بل أنه من المستحيل أن نخلص بدون الوداعة والتواضع. فلو صام أحد، ولو صلَّى، ولو فعل الإحسان، فهذه كلها لا تعتبر شيئًا إذا غابت الوداعة. إن تلك الفضيلة المرغوبة، جديرةٌ بالمحبة؛ لأنها تحفظ من يمارسها إذا كانت موجودة عنده.

ليتنا نكون متواضعين
ليتنا نكون متواضعين يا أحبائي، ليتنا نكون متواضعين؛ لأننا لو أدركنا هذه الفضيلة لوجدناها سهلة جدًا. لأنه ما هو ذاك الذي يدفعك أيها الإنسان إلى التكبُّر؟ ألا ترى عدم نفع طبيعتنا، ألا ترى أن الشهوة دائمًا ما تؤدي إلى الانزلاق؟ تأمل موتك، تأمل كثرة خطاياك. ربما تتكبر لأنك تستطيع أن تنجز أشياءً كثيرةً، اعلم إذن أنك سوف تفقد الكل.
الخاطئ لا يحتاج أن يكون وديعًا، بل الساعي إلى الفضيلة يجب أن يكون هو الوديع. لماذا؟ لأن الواحد يفكر بهذا عن وعي، أما الآخر إن لم يكن ذو فهم، فإنه سرعان ما ينجرف مع الريح ويُفقد ويُمحى مثل ذلك الفريسي.
لكن أعط للفقراء. إن غناك ليس ملكًا لك، لكن للرب، بل هو مشاع للعبيد. لذلك ينبغي أن تكون وديعًا. وعندما تري خيرك في خير إخوتك في الإنسانية، عندئذٍ تكتشف نفسك فيهم. ألم نأت من نفس الجدود؟ إن كان الغنى معنا اليوم، فهو يتركنا غدًا. وما هو الغنى؟ ظلالٌ ساكنة، دخانٌ سرعان ما ينقشع، زهرةُ نباتٍ أرق من الورود، فلماذا تتكبر من أجل عشب؟ ألا يذهب الغنى للصوص والمفسدين والزناة ولسارقي القبور؟ هل تفتخر لأنك تشترك مع هؤلاء الأغنياء؟
هل تشتهي الكرامات أيضًا؟ لا يوجد شيءٌ أدعى للكرامات من الإحسان؛ لأن الكرامات التي تأتي عن طريق الغنى والقوة، إنما تأتي عن إجبار وسطوة وإكراه، لكن الكرامة الحقيقية تأتي من الإرادة الحسنة، ومن إدراك المكرِّمين. لو كانت فضيلة الإحسان محل احترام البشر، لجاءت لهم بكل الخيرات. تأمل حجم المكافأة التي سوف ينالونها من الله محب البشر! إنها مكافأة كبيرة، وأيّة مكافأة! ليتنا نطلب هذا الغنى الذي يبقى ولا يتبدد أبدًا، ذلك الغنى الذي يجعلنا هنا عظماء، وهناك نلمع في بهاء، نذوق الخيرات الأبدية بنعمة ومحبة البشر لربنا يسوع المسيح الذي له كل المجد مع الآب والروح القدس الآن وكل أوان وإلى أبد الآبدين آمين.


[1] يوحنا13: 20ـ25 "الحق الحق أقول لكم الذي يقبل من أرسله يقبلني. والذي يقبلني يقبل الذي أرسلني، لما قال يسوع هذا اضطرب بالروح وشهد وقال الحق الحق أقول لكم إن واحدا منكم سيسلمني، فكان التلاميذ ينظرون بعضهم إلى بعض وهم محتارون في من قال عنه. وكان متكئا في حضن يسوع واحد من تلاميذه كان يسوع يحبه. فأومأ إليه سمعان بطرس أن يسأل من عسى أن يكون الذي قال عنه. فاتكأ ذاك على صدر يسوع وقال له يا سيد من هو. أجاب يسوع هو ذاك الذي اغمس أنا اللقمة وأعطيه.فغمس اللقمة وأعطاها ليهوذا سمعان الاسخريوطي.

هناك تعليق واحد: