السبت، 8 فبراير 2014

مقدمة شرح سفر يونان النبي




مقدمة شرح سفر يونان النبي
للقديس كيرلس الأسكندري

كان ليونان العظيم أب يُدعي أمتَّاي وكان ينحدر من جَتَّ حَافِر[1] ويبدو أنه كتب نبوته قبل هوشع وعاموس وميخا وبقية الأنبياء الصغار الباقيين ويستطيع المرء أن يري أنه تنبأ كثيرًا  عن شعب اليهود ونقل الأقوال التي سمعها من الله وأخبر بوضوح عن الأمور العتيدة أن تحدث. لا يوجد أي كتابة نبوية تخصه إلا هذا السفر. وكون أنه أعلن مسبقًا لجميع اليهود كل ما سوف يصير عبر أزمنة مختلفة, يؤكده الكتاب المقدس. حقًا في الكتاب الرابع للملوك (الملوك الثاني) يتحدث الكتاب المقدس عن يربعام, ليس الأول والقديم, الذي كان إبن نباط الذي كما هو مكتوب "جعل إسرائيل يُخطئ" (2ملوك11:13) مقنعًا إياهم أن يسجدوا للعجول الذهبية, بل ليربعام آخر الذي مَلَكَ بعد ملوك كثيرين آخرين والذي كان إبن يوآش (2ملوك13:13). وما الذي أعلنه يونان الطوباوي يوضحه الكتاب بقوله عن ابن يوآش : " هُوَ رَدَّ تُخُمَ إِسْرَائِيلَ مِنْ مَدْخَلِ حَمَاةَ إِلَى بَحْرِ الْعَرَبَةِ، حَسَبَ كَلاَمِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ عَنْ يَدِ عَبْدِهِ يُونَانَ بْنِ أَمِتَّايَ النَّبِيِّ الَّذِي مِنْ جَتَّ حَافِرَ. لأَنَّ الرَّبَّ رَأَى ضِيقَ إِسْرَائِيلَ مُرًّا جِدًّا، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَحْجُوزٌ وَلاَ مُطْلَقٌ وَلَيْسَ مُعِينٌ لإِسْرَائِيلَ. وَلَمْ يَتَكَلَّمِ الرَّبُّ بِمَحْوِ اسْمِ إِسْرَائِيلَ مِنْ تَحْتِ السَّمَاءِ، فَخَلَّصَهُمْ بِيَدِ يَرُبْعَامَ ابْنِ يُوآشَ" (2ملوك 25:14ـ27), أي بيد يُربعام. لأن يربعام إبن يوآش حارب أمم أخرى وإسترجع لبني إسرائيل مدن كانت محتلة وساعد بنى إسرائيل كثيرًا جدًا بالله المحارب الأول عنهم والذي أراد أن يخلصهم بالرغم من أنهم وصلوا لقمة العذاب.
حسنًا لقد قيلت عبر الأزمنة أحاديث أخرى عن نبوة يونان الطوباوي لكن هنا كتُبت أقوالاً مفيدة عنه بحسب التدبير. بالطبع الأمر جدير بالسماع, أقصد أن يكرز لأهل نينوى ويعاني بكل ما حدث له أثناء كرازاته. لقد سجل كما في ظلال سر تدبير مخلصنا. فإن المسيح ذاته تحدث لليهود قائلاً: «جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ. لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال، هكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْب الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال" (مت39:12ـ40).
بالتالي قد صوَّر وتشكَّل سر المسيح لأجلنا بكل ما حدث ليونان العظيم . لكن يجب عليَّ أن أقول شيئًا لقُرائي. عندما يُصاغ حديث روحي عن شخصية تُستخدم لتصور يسوع مخلصنا, فمن الضروري للحكيم وللعارف أن يفحص ما هي الأمور غير المفيدة ولا تخدم هدفه وما هي الأمور المفيدة والهامة والتي من طبيعتها أن تُفيد السامعين.
ليتنا نأخذ كمثال موسي الطوباوي, الذي قدم الشعب الإسرائيلي لله عند سفح جبل سيناء وصار وسيطًا بين الله والناس. ولقد خاف اليهود فقالوا له: "تكلم أنت معنا فنسمع. ولا يتكلم الله معنا لئلا نموت" (خر19:20).
لكن كون أن الحدث يصِّور بوضوح وساطة المسيح, فهذا يعلنه الله الآب ذاته قائلاً: " قد أحسنوا فيما تكلموا. أُقيم لهم نبيًا من وسط إخوتهم مثلك" (تث17:18ـ18). أي لكي يتوسط ويقدم لله الأمر البشري ويكرز لكل الأرض عن إرادة الله الآب الخفية : "وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصية به". إذن أُستخدم موسي كنموذج للمسيح لكن لن ننسب للمسيح كل ما يتعلق بموسي حتى لا نقول ونفعل شيئًا من الأمورغير الصحيحة لأن موسي قد إعترف بأنه لا صاحب كلام وثقيل الفم وغير قادر علي إبلاغ الرسالة, إذ قال:  «اسْتَمِعْ أَيُّهَا السَّيِّدُ، لَسْتُ أَنَا صَاحِبَ كَلاَمٍ مُنْذُ أَمْسِ وَلاَ أَوَّلِ مِنْ أَمْسِ، وَلاَ مِنْ حِينِ كَلَّمْتَ عَبْدَكَ، بَلْ أَنَا ثَقِيلُ الْفَمِ وَاللِّسَانِ» (خر10:4), وتوسَّل قائلاً: «اسْتَمِعْ أَيُّهَا السَّيِّدُ، أَرْسِلْ بِيَدِ مَنْ تُرْسِلُ» (خر13:4). لكن المسيح لم يكن ثقيل اللسان ولا غير بليغ في الكلام مثل موسي بل هو البوق العظيم لأنه هكذا دعاه أشعياء الطوباوي, قائلاً: " ويكون في ذلك اليوم أنه يضرب ببوق عظيم" (أش13:27). وحقًا لقد كُرِز في كل مكان بكلام المخلص وسُمِع في كل المسكونة وهذا الأمر يعترف به داود قائلاً: "إسمعوا هذا يا جميع الشعوب. أصغوا يا جميع سكان الدنيا" (مز1:49).
إذن توسَّط موسي كنموذج للمسيح, لكن هو ثقيل اللسان ولم يظهر بعد بذاته النموذج. أيضًا هارون أُستخدم كنموذج لعمانوئيل إذ صار في كرامة رئيس الكهنوت يدخل داخل قدس الأقداس لابسًا اللباس الممجد والجدير بالإعجاب (أنظر خر1:28 وما بعدها). لكن لن ننسب للمسيح كل ما يتعلق بهارون, لأنه لم يكن بلا لوم تمامًا, حيث أنه وُبخِ أحيانًا بسبب أنه أدان موسى مع مريم  (أنظر سفر العدد 1:12ـ2). أيضًا كان من جانب آخر مذنباً, عندما صنع لبني إسرائيل عجلاً في البرية وعبدوه (أنظر خر4:32). بالتالي ليست كل الأمور المكتوبة مفيدة للرؤى الروحية. ولو قُدِمت شخصية ما كنموذج للمسيح سوف نحاول أن نعبر علي الأمور البشرية ، وسوف نتوقف عند الأمور الضرورية فقط مقدمين دائمًا المفيد بطبيعته للهدف الذي يرمز إليه.
إذن هكذا سوف نفكر بخصوص يونان. لأنه يقدم لنا هيئة سر المسيح. لكن كل ما حدث له ليس بالضرورة له فائدة. علي سبيل المثال, أُرسل لكي يكرز لأهل نينوى, ولكن طلب أن يختفي عن الله وكذلك رأيناه غير مستعد لرسالته. أُرسل أيضًا الإبن بواسطة الله الآب ليكرز للشعوب لكنه لم يظهر أنه غير مهيئ لخدمته ولا طلب أن يختفي من أمام أعين الله. لقد توسَّل النبي إلى الملاحين قائلاً: "خذوني وإطرحوني في البحر فيسكن البحر عنكم" (يونان12:1). لقد إبتلعه الحوت وبعد ثلاثة أيام قذفه (انظر مت 40:12), ثم بعد ذلك ذهب إلي أهل نينوى وتمم خدمته. وحزن حزنًا شديدًا لأن الله أظهر رحمة لأهل نينوى. أيضًا قد قَبِل المسيح  الموت طوعًا , وبقي في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاثة ليال (أنظر مت40:12), وقام ثانيةً وبعد ذلك ذهب إلي الجليل وأمر بأن تكون الكرازة لجميع الأمم (أنظر مت19:28). لم يحزن وهو يراهم يتوبون ويخلصون كما فعل يونان. بالتالي, إن لم نركز حديثنا في هدف الرؤية الروحية فليشتكِ علينا أي أحد. لأنه, كما يطير النحل علي المراعي والورود لكي يجمع المفيد لصناعة أقراص العسل, هكذا أيضًا المفسر الحكيم يبحث في الكتاب المقدس جامعًا دائمًا كل ما يساهم في توضيح أسرار المسيح وصانعًا منه حديثًا كاملاً بلا لوم.


[1] قرية فى اليهودية أنظر يش13:19





هناك تعليق واحد:

  1. كيف قضى المسيح فى القبر ثلاث ليالى ارجو التوضيح






    ردحذف