كيف تتمكن مِنا قوة الشر ؟
القديس كيرلس عمود الدين – العبادة بالروح والحق –
المقالة الاولى
ترجمة د. جورج عوض
كيرلس: أعتقد أن قوة الشر تتمكن مِنا بطريقتين. إما بالملذات
الخارجية، أو بالغرائز المغروسة فينا. المتساهلون مع الخطية مقتنعون بها من
ذواتهم. أما الذين تغويهم من الخارج، فإنهم ينقادون إلى المتعة ويُقبض عليهم
منزلقين إلى أمور أكثر سوء. وعن ذلك يتحدث تلميذ المخلص حين يقول:
"
لأن كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة ليس من الآب بل من
العالم "[1]
وبسبب أن شهوة الجسد هى فطرية ومتجذرة داخلنا ودائمة، لهذا فإن بولس العظيم يسميها
ناموس الخطية[2]،
الذى يسكن في أعضائنا.. أما شهوة العيون فهى المباهج والملذات الخارجية وكل ما
يُرى بالعين. أى أن الناس تُعجب بالغنى الذى تراه بالعيون والملابس الحسنة
والأشياء الأخرى التى يتمسك بها البعض، بسبب جلبها للسرور العظيم المزيف الذى
يهتمون به اهتمامًا كبيرًا. لذلك فإن أوراق الكرمة والتين هى مثال للمباهج الخارجية
والمكتسبة والاستمتاع بكل الأشياء التى في العالم، وهى تعطى بطبيعتها دليلاً
قاطعًا أنها لذة وقتية وقصيرة الأجل. والأمر الذى يبدو حلوًا، يصاحبه أمر آخر يجلب
عادةً ظلمة للنفس. ذلك لأن الاستمتاع بالعالم ـ عمومًا ـ يكون له مذاق وقتى حلو،
لكنه يُخيم بظلامه المخيف وسطوته المُميتة على النفس التى تمارسه.
"المنبع" ـ في هذا النص ـ يشير إلى غرائزنا وأهوائنا الداخلية، التى لا
تحدث من الخارج، مثل شهوة العين، لكنها تصدر من داخلنا، وتنساب من جسدنا نفسه.
إذًا الأهواء الجسدية والأهواء التى تأتى من الخارج، تجلبان علينا حروب القوات
الشريرة، وذلك بمشاركتنا الإرادية لها والاستمتاع بها. وعلى ذلك، فلو هجرنا فضيلة
ضبط النفس والتى هى كالمدينة المقدسة وذهبنا إلى ربشاقى ملك بابل الذى وعدهم
بالسعادة لهم، وهو مثالٌ للشيطان، الذى يعد بإعطاء السعادة أيضًا، لسقطنا حتمًا في
العبودية، مثل أولئك الذين رفضوا التفكير بطريقة حسنة، وأدركوا أن اختيار الشهوات
العالمية سيتبعه على كل حال سقوط في تلك العبودية الحتمية، وبالتالى البقاء في
زمرة المُستعبدين.
بلاديوس: أنت أصبت. لكن ما هو الحل المقبول؟ أجبنى بوضوح بقدر ما
تستطيع.
كيرلس: هل هناك حل آخر سوى ذاك الحل المغاير للأول؟ لأننا إذ قد
انزلقنا إلى شهوة الحياة الرذيلة بميل إرادتنا الخاصة، واضعين جانبًا كرامة
المدينة التى بلا لوم، وسقطنا في الذهن المُبتذل والمُستعبد، واضعين أفكارنا في
الأرضيات فقط، وملتصقين بالكامل بملذات الجسد، فإن الله قد سمح بالسقوط وأسلمنا
إلى ذهن مرفوض.
بلاديوس: بناء على ذلك فإنه من الضرورى أن نرجع ثانية إلى الفضيلة.
كيرلس: بدون إبطاء يا صديقى، ولا نشتهى بعد حياة العالم، كما قال
بولس الرسول: " لأنكم مُتم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله"[3].
لأننا متعطشون لكتابة أسمائنا في السماء، جاعلين وطننا ومدينتنا فى السماوات،
صارخين بقوة إلى الله " لا تعاقبنى لأنى غريب في الأرض مثل كل آبائى"[4]
. لأن ذاك الذى يعيش هنا على الأرض وله مدينة ذات بهاء في السموات، يبدو غريبًا
ونزيلاً بالنسبة لأهل العالم. لذلك فإن تلميذ المخلص بطرس يعلمنا بأن نسلك هكذا فى
هذا الأمر، إذ يقول لنا " أيها الأحباء أطلب إليكم كغرباء ونزلاء أن
تمتنعوا عن الشهوات الجسدية التى تحارب النفس"[5].
بلاديوس: بالتالى، إن مثل هذا النوع من الاستعداد كافِ لاقتناء
الفضيلة، أعنى صد الشهوات الجسدية.
كيرلس: نعم، إن كان هذا الاستعداد يُكتسب بالحكمة والعمل الروحى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق