السبت، 10 سبتمبر 2011

مأساة الإنسان وسقوطه من الفردوس - القديس كيرلس عمود الدين


مأساة الانسان وسقوطه من الفردوس
القديس كيرلس عمود الدين – العبادة بالروح والحق – المقالة الاولى
ترجمة د . جورج عوض
كيرلس: إن الإنسان منذ البداية، قد خُلق وفكره يسمو فوق الخطايا والشهوات، لكنه لم يكن مُحصنًا تمامًا من الانحراف في اختياراته. لأن الخالق الأعظم للجميع، قد رأى حسنًا أن يترك الإنسان لإرادته المستنيرة ويسمح له أن يعمل ما يفكر فيه، وذلك بدافع نفسه فقط. بمعنى أن الفضيلة كان يجب أن تُتمم اختياريًا وليس كأمر إجبارى، وأيضًا ألا تكون الفضيلة موجودة بدون تغيير في صفات الطبيعة البشرية، لأن الثبات خاصية الجوهر الإلهى الذى هو فوق الكل ويفوق كل الأشياء. فالله قد خلق الإنسان ذلك الكائن الحى بطبيعة خاصة به كإنسان، مانحًا إياه غنى التشبه به. إذ قد رُسمت في الطبيعة البشرية صورة الطبيعة الإلهية بنفخة الروح القدس. وحيث إن الله هو الحياة ـ بحسب الطبيعة ـ لذلك فهو يعطى نسمة الحياة.
بلاديوس: إذن، بناء على ذلك فإن نفس الإنسان قد صارت روحًا إلهية!!
كيرلس: ألا يكون التفكير بهذه الطريقة غير منطقى بالمرة ؟! لأنه حسب هذا التفكير ستكون النفس غير متغيرة، والواقع أنها متغيرة، ومن المؤكد أن الروح لا يتغير. وإذا كانت النفس قابلة للتغيير، فحينئذ سيوّجه الاتهام بالتغيير إلى الطبيعة الإلهية نفسها، لأن الروح هو من طبيعة الله الآب والابن وواحد معهما في الجوهر، وهو يُعطى من الآب بالابن. وبالتالى فإنه من غير الصواب أن يعتقد المرء أن الروح قد تغير إلى نفس، ووُضِع في طبيعة الإنسان. على العكس فإن نفس الإنسان قد أخذت قوة فائقة الوصف وزُينت من أول لحظة بعطية الروح. فأنه لا توجد طريقة أخرى نستطيع بها أن نكتسب جمال الصورة الإلهية.
بلاديوس: حسنًا تتكلم.
كيرلس: طالما أن الله قد زين الإنسان الذى خلقه بهذه الطريقة ، فقد منحه القدرة أن يعيش في الفردوس. لكن بسبب أنه كان يليق لهذا الإنسان المُزين والمتوج بالخيرات السماوية الوفيرة أن لا يُترك فيُخدع بسهولة ويسقط في الكبرياء، متجاهلاً أسلوب الخضوع للأوامر، وأنه يوجد ضابط للعبيد (لأن السهولة الكبيرة في اقتناء المجد أو الحرية بلا ضابط تقود نحو شهوة الكبرياء الملعونة)، لذلك أُعطى (للإنسان) قانون ضبط النفس (الإمساك) كوسيلة أمان، حتى لا يُقاد إلى تجاهل السيد، ويكون مدعوًا دائمًا لتذكر ذاك الذى أعطاه الوصايا، كسيد له، هكذا يعرف بكل وضوح أنه كان خاضعًا لنواميس سيده. لكن لم يهدأ ذاك الوحش الشرير والمحارب لله.
بلاديوس: أظن أنك تقصد الشيطان الذى سقط كالبرق من أعلى السموات[1]، لأنه اختار التفكير الطفولى إذ أراد أن يكون إلهًا، وتخيل أنه كان يملك كل ما هو فوق طبيعته.
كيرلس: بالصواب تكلمت. لأنه في الحقيقة، إذ هو مُبتدع وأب للخطية والفساد، لم يرد أن يترك الإنسان بلا منغصات، ساعيًا فيما بعد بتغريرات وحيل ليدفعه نحو العصيان، مستخدمًا في خداعه المرأة كأداة له، وهو دائمًا يدفعنا نحو الخطية، واللذات التى تصاحبنا وتسكن في داخلنا، والتى من بينها لذة اشتهاء المرأة. ومرات كثيرة يسرع العقل، بتأثير اللذات نحو الأمر الذى لا يريده. إذن فهذا الذى حدث مع آدم بطريقة مادية ومحسوسة، من الممكن أن يحدث ذهنيًا وبطريقة غير محسوسة مع كل واحد منا، حيث تظهر أمام العقل، الشهوة التى تبهره وتجذبه تدريجيًا نحو الاعتقاد بأن مخالفة الناموس ليست أمرًا خطيرًا على الإطلاق. ويؤكد على هذا تلميذ المسيح حين يقول:" لا يقل أحد إذا جُرب إنى أُجرب من قِبل الله. لأن الله غير مُجرب بالشرور وهو لا يجرب أحدًا ولكن كل واحد يجرب إذا انجذب وانخدع من شهوته. ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية والخطية إذا كملت تنتج موتًا "[2].
بلاديوس: وأنا أعتقد أن الافتقار لمواهب الله ليس هو شئ آخر إلا البعد عن كل صلاح. حيث يمكن أن تسقط الطبيعة البشرية بسهولة ويسر، في مرض الانحراف والأمور غير اللائقة، إن لم تسمو بالفضيلة وبنعمة مخلصها، وإن لم تهتم بالصالحات التى من السماء، وأيضًا بالصلاح الذى من داخل النفس ذاتها.
كيرلس: حسنًا تكلمت، وإنى أتفق معك بالطبع فيما تقول. لأن الخبز الحى أى كلمة الله يشبعنا روحيًا. لأنه مكتوب " الخبز الحى يسند قلب الإنسان "[3]. هذا (الخبز) يُحررنا من العبودية والشهوات، ويُزين نفوسنا ببهاء الحرية. لكن لو أن الله كف يده أو توقف عن أن يمنحنا هذا الصلاح، فإننا بالضرورة سنسقط في الشرور غير المرغوبة، ونفتقر إلى الفضيلة، ونتحمل كل ما يقع على عاتقنا بسبب فعل كل ما هو ضد الفضيلة. ونصل لمثل هذه الدرجة من الشرور والطمع، لدرجة أننا نخاطر بفقدان الضمير الذى يعضدنا في اكتساب كل صلاح. ويتضح من ذلك أن قلب ذاك الذى سقط يكون فارغًا تمامًا من الحكمة الإلهية، ومُنقادًا إلى الهوان من قِبل الشيطان، ويخضع بسهولة لوضاعته وعصيانه.


25  لو 18:10
26  يع 13:1ـ15
27  مز 15:104

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق